ترجمة الأعمال القصصية الكاملة لأنطون بافلوفيتش تشيخوف

مقدّمة

أنطون تشيخوف (1860-1904) هو أحد أعمدة الأدب الروسي والعالمي، عُرِف بقصصه القصيرة التي تجمع بين العمق النفسي والدقة في التفاصيل، وبُعدها الإنساني، وأسلوبه الذي يَمزج بين الواقعية والمُلاحظة الدقيقة، مع حسٍّ من السخرية والطرافة أحيانًا.

ترجم كثير من أعماله إلى العربية، لكن مشروع دار الرافدين يُعدّ من أضخم المشاريع الحديثة، وأكثرها طموحًا من حيث الحجم والأسلوب والجهد الترجمِي والتنظيمي.

ما هو المشروع بالضبط

  • الناشر: دار الرافدين للطباعة والنشر والتوزيع (لبنان).
  • المؤلّف: أنطون بافلوفيتش تشيخوف، من اللغة الروسية الأصلية.
  • المترجِمون الرئيسيون: ثائر الزين الدين، فالح الحمراني، منذر كاظم ملا، فريد الشحف.
  • مكونات المشروع: ترجمة كاملة للأعمال القصصية الكاملة لتشيخوف، موزعة على عشرة مجلدات.
  • التهذيب العلمي والترجمة الفنية: حسب الإعلان الرسمي، هناك بحث وتمحيص لغوي وفني، ودقة في اختيار الترجمات، مراجعة المصطلحات، وضوابط اللغة العربية، مع العمل على أصالة الأسلوب العربي مع المحافظة على روح النص الروسي.
  • الطبعة والوفاء الفني: تم اعتماد النسخة الورقية الأصلية الصادرة عن دار “العِلْم” (سنة 1975، موسكو) والموجودة بمكتبة جامعة بغداد كمصدر.

عناصر القوة

ترجمة الأعمال القصصية الكاملة لأنطون بافلوفيتش تشيخوف
  1. الأولية والشمول
    هذا المشروع هو الأوّل من نوعه بالعربية بحيث يُترجم “الأعمال القصصية الكاملة” لتشيخوف بهذا الحجم، وهو ما يوفر للقارئ العربي فرصة متكاملة للتعرّف على كل جوانب أدب تشيخوف القصصي، وليس مختارات فقط.
  2. المترجمون ذوو الخبرة
    المترجمون هم أساتذة وباحثون مختصّون في اللغة والترجمة، وهذا يقلّل من الأخطاء اللغوية والنحوية، ويُرجّح أن الأسلوب العربي يكون في مستوى أدبي جيد. كما ذُكر أن د. ثائر الزين الدين قام بمراجعة وتحرير الأجزاء، وهو أمر مهم لضمان الاتساق بين المجلدات.
  3. الوفاء بالمصدر والنص
    اختيار النسخة الأصلية الروسية من دار “العِلْم” في موسكو (1975) كمصدر للطباعة، يدل على حرص على مدى الأمانة للنصوص، وضمان أن يكون النص الروسي المعتمد موثوقًا.
  4. الاهتمام الفني والجمالي
    من الملاحظات أن دار الرافدين قد سعت لتقديم الطبعة بطباعة راقية ومعايير فنية عالية. التصميم، تنسيق الكتاب، الغلاف، وزن الكتاب كذلك كبير، دليل على أن المشروع ليس مشروعًا سريعًا أو تجاريًا فقط، بل مجهودًا ثقافيًا ضخمًا.
  5. إسهام في الأدب المترجَم في العالم العربي
    مثل هذا المشروع يملأ فجوة كبيرة: حيث إنّ كثيرًا من القراء العرب لا يتمكنون من الوصول إلى الترجمة الكاملة والمُنقّحة، بل يكتفون بمختارات، أو ترجمات قديمة قد تكون مترجِمة جزئيًا، أو غير دقيقة، أو بفروق في الأسلوب والترجمة بين مترجم وآخر. هذا المشروع يتيح مقارنة داخلية، إمكانية دراسة تطور الترجمة، والمقارنة بين الأسلوب الروسي الأصلي والترجمة العربية.

التحديات والنقد المحتمل

وليس هناك عمل كامل يخلو من النقائص، فإليك بعض الملاحظات التي قد تُحسَّن أو تُنتقد:

  1. الحجم الضخم والموارد المطلوبة
    عشرة مجلدات، آلاف الصفحات، يتطلب وقتًا وجهدًا كبيرين من المراجعين والمترجمين. حتى مع الخبرة، يظل احتمال وجود أخطاء لغوية أو ترجمات غير دقيقة قائمًا، خاصة في النصوص التي تعتمد على نبرة لفظية دقيقة، اللهجة الحوارية، أو الألعاب اللغوية التي قد لا ينتبه لها المترجم.
  2. التباين الأسلوبي بين المترجمين
    لأن عدة مترجمين يعملون في المشروع، هناك خطر أن تختلف اللغة أو الأسلوب أو المصطلحات بين مجلد وآخر، أو بين جزء وآخر من القصة الواحدة في حالة الترجمة المشتركة، مما قد يُشعِر القارئ بعدم الاستمرارية أو وجود “قفزات أسلوبية” بين النصوص.
  3. الترجمة الحرفية مقابل روح النص
    تشيخوف يعتمد كثيرًا على الرمز، على الإيحاء، على الغموض في بعض الأحيان، وعلى الصمت بين السطور. إذا كانت الترجمة تميل إلى الحرفية المفرطة، قد تُفقد النص بعضًا من روحه، أو التأثير النفسي الداخلي. هذا التحدي ليس خاصًا لهذه الترجمة، بل لجميع الترجمات الأدبية الكبيرة.
  4. اللغة العربية الفصحى الحديثة
    يقال إنه تم مراعاة المصطلحات والأسلوب العربي، لكن تبقى المسألة: إلى أي مدى اللغة العربية المستخدمة ستكون ميسّرة للقارئ المعاصر، وهل ستكون مترجمة بأسلوب محافظ جدًا (فصيح رسمي) أم بأسلوب أدبي متداول. قد يجد بعض القراء أن الأسلوب مُكلّف أو ثقيل إذا لم يُراعَ التوازن بين الفصاحة والوضوح.
  5. السعر، التوزيع، الوصول
    كمجلدات ضخمة، من المعروف أن تكلفتها قد تكون مرتفعة، مما قد يجعل الكتاب بعيدًا عن متناول البعض، خاصّة في البلدان العربية أو مناطقها الأكثر فقرًا. كذلك توزيع الكتاب قد يكون مركزًا في المدن الكبرى، وقد لا يصل بسهولة إلى المناطق النائية أو المحافظات الصغيرة.

التأثير المحتمل وأهميته الأدبية والثقافية

  • تأريخ الترجمة في العالم العربي
    هذا المشروع قد يُعتبر علامة فارقة في تاريخ الترجمة الأدبية العربية: إتمام ترجمة شاملة لمؤلف كبير بهذا الحجم والجهد. سيكون مرجعًا أكاديميًا للأدب المقارن، للنقد، وللتدريس الجامعي.
  • إثراء المكتبة العربية
    سيمنح القرّاء العرب، الطلبة، الباحثين، فرصة الاطلاع على كل قصص تشيخوف، ليست فقط للقِراءة، بل للدراسة، والتحليل، والنقد، وربما الترجمة المقابلة، أو العمل على النصوص الأصلية للمقارنة.
  • إعادة إحياء التشويق نحو الكلاسيكيات
    كثير من القراء الجُدد قد لا يكونوا على دراية بتشيخوف إلا من خلال مختارات أو من خلال دراما أو مسرحيات تُعرض. هذا المشروع قد يُجذب الانتباه من جديد إلى القصة القصيرة الكلاسيكية، إلى العمالقة مثل تشيخوف، دومًا يُذكر أنه أبعد من قصّة قصيرة ترفيهية: هو دراسة للمجتمع، النفس، الصمت، التوتر، الفضاء الباطني.

خلاصة التقييم

بناءً على ما سبق، ثمة إجماع مبدئي على أن مشروع ترجمة الأعمال القصصية الكاملة لتشيخوف من دار الرافدين:

  • نجاح كبير من حيث الفكرة والطموح،
  • استحقاق للإشادة بفضل أمانة المترجمين، الاهتمام بالمراجعة واللغة، والطبعة الفنية،
  • لا خلو من التحديات: تحتاج المراجعة النهائية للتأكد من التناسق الأسلوبي، من الأمانة الأدبية والنفسية للنصوص، من الأسعار وإمكانية الوصول.

إذا كان يُقدَم المشروع بشكل يجعل قراءة كل مجلد متاحًا، نقد أدبي ينشره مترجموه، والمراجعات العامة من القرّاء، فسيصبح مرجعًا لا يُستغنى عنه في المكتبة العربية.

    ترجمة الأعمال القصصية الكاملة لأنطون بافلوفيتش تشيخوف
    ترجمة الأعمال القصصية الكاملة لأنطون بافلوفيتش تشيخوف

    مقالات ذات صلة

    اترك تعليقاً

    لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

    زر الذهاب إلى الأعلى