
بيروت – رويا السعودية
“الغباء”: دراسة فلسفية وأدبية لروبرت موزيل في ترجمة عربية جديدة
صدر حديثًا عن منشورات ضفاف في بيروت كتاب لافت في عنوانه ومضمونه، يحمل اسم “الغباء”، وهو دراسة فلسفية وأدبية قصيرة للكاتب النمساوي الكبير روبرت موزيل، ترجمها عن الألمانية المترجم السوري عبد الحكيم شباط، في 88 صفحة تطرح أسئلة معقّدة حول مفهوم يبدو بسيطًا ومألوفًا للوهلة الأولى، لكنه يخفي وراءه طبقات من المعاني والدلالات.
هل الغباء مجرد نقيض للذكاء؟
في هذا العمل المكثف، يتناول موزيل – المعروف بإرثه الروائي والفلسفي العميق، خاصة في روايته الشهيرة “رجل بلا صفات” – مفهوم الغباء لا بوصفه حالة بيولوجية أو نفسية فقط، بل باعتباره ظاهرة ثقافية واجتماعية، تتغلغل في الخطاب والسلوك، وتظهر أحيانًا في قوالب محترمة، أو حتى في مواقع السلطة.
إنه لا يكتفي بتعريف الغباء بوصفه “نقصًا في الذكاء”، بل يذهب أبعد من ذلك، ليحلله بوصفه حالة رمادية معقّدة، قد تتقاطع مع النوايا الطيبة، ومع التلقين، ومع النظام الاجتماعي القائم.
إنه يحاول، بأسلوب ساخر وفلسفي في آن، أن يشرح لماذا يصبح الغباء مقبولًا، وأحيانًا محببًا، بل وفعّالًا في بعض السياقات.
تأملات موزيل بين العمق والفكاهة السوداء
ينتمي هذا النص إلى النوع الذي يُقرأ على مهل، رغم قصره، لأنه مليء باللمحات الذكية، والأسئلة المفتوحة، والجمل التي تبدو بسيطة لكنها تهزّ المسلّمات.
فموزيل لا يقدّم خطابًا تعليميًا، بل يكتب من موقع القلق المعرفي، وبمزاج ساخر قاتم، يقترب أحيانًا من العبث.
وهو في تحليله، لا يخجل من نقد المؤسسات، ولا من مساءلة ما يُعتبر عقلانية أو حكمة، ليُظهر كيف يمكن أن يكون الغباء نتاجًا مشتركًا للثقافة والتعليم والتقليد والسلطة.
ترجمة متقنة تتناغم مع دقة النص الأصلي
يُحسب للمترجم عبد الحكيم شباط أنه اقترب من نص موزيل بمزيج من الأمانة اللغوية والمرونة التعبيرية، فنقل هذا النص الفلسفي بأسلوب عربي سلس دون تفريط بعمق المعنى أو بالسخرية المتخفية خلف السطور.
والنتيجة هي نص عربي يُشبه الأصل في روحه وذكائه النقدي، ويُضيف إلى المكتبة العربية عملًا نادرًا في موضوعه وأسلوبه.
منشورات ضفاف في قلب الأسئلة الفلسفية المعاصرة
يمثل هذا الكتاب إضافة جديدة إلى مشروع منشورات ضفاف في تقديم الأعمال الفلسفية والأدبية العالمية التي تلامس القارئ العربي، ليس فقط بوصفه متلقيًا، بل شريكًا في التفكير والتساؤل.
واختيار نص مثل “الغباء” يعكس وعيًا عميقًا بضرورة معالجة مفاهيم مهملة، لكنها جوهرية في فهم الإنسان المعاصر.
في الختام
“الغباء” لروبرت موزيل ليس كتابًا ساخرًا فحسب، بل مرآة مرعبة أحيانًا لزوايا مظلمة في التفكير والسلوك البشري.
كتاب صغير في حجمه، لكنه كبير في أسئلته، يضع القارئ أمام تساؤل صعب:
هل نحن أغبياء حين نظن أننا نفهم الغباء؟
