في خطوة جديدة تُضاف إلى سلسلة إصداراتها المتميزة، أصدرت دار خطوط وظلال في عمّان كتابًا جديدًا بعنوان “الجهل المكتسب” من تأليف الكاردينال الألماني نيكولاس دي كويس، بترجمة عن الفرنسية لصبحي دقوري.
يأتي هذا الكتاب ليلقي الضوء على إحدى أكثر القضايا تعقيدًا في عالمنا المعاصر، حيث يناقش تأثيرات الجهل على الإنسان والمجتمع، وكيف أن هذا الجهل يمكن أن يصبح “مكتسبًا” عبر تفاعلات ثقافية وفكرية متعددة.
الكاردينال نيكولاس دي كويس: فكر متجاوز للحدود
يعد نيكولاس دي كويس من الشخصيات البارزة في الكنيسة الكاثوليكية والفكر الديني الغربي، وهو معروف بنهجه المتأمل والمعمق في معالجة القضايا الفلسفية والاجتماعية.
في “الجهل المكتسب”, يتطرق الكاردينال إلى فكرة مثيرة للاهتمام: كيف يمكن أن يتحول الجهل إلى حالة “مكتسبة” أو “موروثة”، تتناقلها الأجيال والمجتمعات عبر أطر ثقافية ودينية وفكرية، ليصبح جزءًا لا يتجزأ من الهويات الفردية والجماعية.
يُظهر كتاب الجهل المكتسب كيف أن الجهل لا يُعد مجرد غياب للمعرفة، بل يمكن أن يكون نتيجة لخيارات فردية أو جماعية، تترسخ عبر التربية، والتعليم، والمعتقدات المجتمعية التي تتوارثها الأجيال.
وفقًا للكاردينال دي كويس، يتحول الجهل إلى حالة عقلية، بل إلى سمة متأصلة في المجتمعات التي تحجب عن نفسها الوعي الكامل بما يحيط بها.
كتاب الجهل المكتسب فك طلاسم الجهل
يتعامل الكتاب مع الجهل ليس فقط من خلال النظر إلى عدم المعرفة أو عدم الوعي، بل من زاوية أكثر تعقيدًا: كيف يصبح الجهل جزءًا من الثقافة السائدة.
يشرح الكاردينال دي كويس كيف أن المؤسسات الاجتماعية، سواء كانت دينية أو تعليمية أو ثقافية، قد تساهم في تكريس هذا الجهل من خلال فرض رؤى معينة للعالم ورفض تقبل الرؤى الأخرى.
كما يتناول كتاب الجهل المكتسب كيف أن العالم المعاصر يعاني من هذه المشكلة بشكل متزايد، حيث نجد أن العديد من الأفراد والمجتمعات يتبنون أفكارًا لا تندرج ضمن نطاق المعرفة الحقيقية، بل تحت تأثير العواطف أو التحاملات الثقافية.
يقدم الكتاب رؤية فلسفية واجتماعية عميقة حول كيفية أن الجهل المكتسب يُشكل عائقًا أمام التنمية الفكرية والتقدم الإنساني.
يعكس الكتاب مخاوف الكاردينال دي كويس من أن هذه الظاهرة قد تتسبب في تعزيز الانقسامات داخل المجتمع، وتحد من قدرة الأفراد على التفكير النقدي المستقل.
ترجمة صبحي دقوري إضاءة على الفكر
ترجمة صبحي دقوري لهذا العمل المعقد والمثير تأخذ الكتاب إلى القارئ العربي بشكل سلس ودقيق.
عمل دقوري لا يقتصر على الترجمة اللغوية فقط، بل يتعداها إلى نقل الفكرة والتفسير الفلسفي الذي يتضمنه الكتاب، ما يساعد على نقل جوهر الكتاب إلى الثقافة العربية بكل أبعاده الفكرية والاجتماعية.
تمكّن دقوري من الحفاظ على السرد السلس للكتاب، وجعل النص غنيًا بالفكر النقدي مع الحفاظ على البعد الثقافي الذي يتطلبه العمل.
الجهل المكتسب أبعاد فكرية واجتماعية
إن موضوع “الجهل المكتسب” يعد بمثابة دعوة للتفكير النقدي والتأمل في المجتمع والتربية والفكر. يناقش الكتاب مفهوم الجهل في سياقات متعددة، من بينها العواقب الاجتماعية لتكرار أنماط التفكير التي لا تُخضع للفحص أو المراجعة.
كما يُظهر الكاردينال كيف أن هذا النوع من الجهل قد يؤدي إلى تشوهات في فهم الحقائق، ما يجعل المجتمعات عرضة للصراعات الفكرية والانقسامات الثقافية.
يُقدم الكتاب دعوة ملحة لإعادة النظر في التعليم والمعتقدات السائدة، ويحث على ضرورة فتح الأفق الفكري أمام الأفراد ليتسنى لهم التحرر من القيود التي يفرضها عليهم الجهل المكتسب.
هذا الكتاب هو بمثابة نداء لاستعادة الوعي الاجتماعي والثقافي.
خاتمة رحلة عقلية نحو النور
يُعد “الجهل المكتسب” كتابًا مُحفزًا للتفكير النقدي، ليس فقط حول الجهل نفسه، بل حول طرق تكوين المعرفة واكتسابها.
بفضل الكتاب، يبدأ القارئ في التفاعل مع الفكر الإنساني بطريقة أكثر وعيًا وشفافية، ويجد نفسه مدفوعًا للتساؤل حول الكثير من المسلمات التي يتعامل معها يوميًا.
مع ترجمة صبحي دقوري لهذا العمل، يصبح الكتاب متاحًا للقارئ العربي ليغني تجربته الفكرية ويفتح له آفاقًا جديدة من التأمل والنقد، ما يعزز من أهمية هذا العمل في السياق الفكري العربي المعاصر.