صدرت مذكرات الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما تحت عنوان “أرض موعودة”، والتي قدم فيها أوباما رؤيته للعالم وأفكاره حول التحديات السياسية والشخصية التي واجهها خلال فترة رئاسته، ويُعد هذا الكتاب الجزء الأول من مذكراته.
جاءت المذكرات في حوالي 900 صفحة، استغرق أوباما حوالي أربع سنوات في كتابتها، وعند صدورها، بيعت 900 ألف نسخة في اليوم الأول، ما يعكس الاهتمام الواسع بجوانب هذه التجربة الغنية.
البدايات والتكوين الشخصي
يتناول أوباما في مذكراته طفولته التي قضاها بين إندونيسيا وهاواي، مروراً بحياته الجامعية التي حاول خلالها إثارة إعجاب الفتيات بقراءته لكتب لمفكرين مثل ميشال فوكو وفرانتز فانون، يقدم وصفًا ساخرًا عن تلك الفترة التي كان يسعى فيها لتقديم نفسه كمثقف بهدف جذب اهتمام الفتيات.
يتطرق أوباما أيضًا إلى علاقته بزوجته ميشيل أوباما التي التقاها في أواخر الثمانينيات. يظهر الكتاب كيف بدأت مسيرته السياسية، حيث تنقل من مجلس الشيوخ الأمريكي حتى وصل إلى البيت الأبيض ليصبح أول رئيس أمريكي من أصول إفريقية، محققًا بذلك حلمًا شخصيًا وشعبياً لكثير من الأمريكيين.
السياسة والعنصرية
في ظل تجربته كرئيس، واجه أوباما تحديات مختلفة، منها العنصرية التي كانت جزءًا من حياته، مثل شكوك دونالد ترامب حول جنسيته الأمريكية، يتحدث الكتاب عن تأثير العنصرية على أوباما وكيف شكلت جزءًا من مسيرته الشخصية والسياسية، ومدى التحديات التي واجهها ليثبت نفسه ويحقق أهدافه.
أزمات السياسة الخارجية
خصص أوباما جزءًا كبيرًا من مذكراته للحديث عن السياسة الخارجية الأمريكية، بما فيها حربي العراق وأفغانستان، والملفات الشائكة في الشرق الأوسط. تناول مواقفه حول الربيع العربي، حيث طلب من حسني مبارك التخلي عن الحكم في مصر، وناقش ردود أفعال القادة العرب الذين كانوا يخشون من انتقال الاحتجاجات إلى دولهم.
ومن المواقف الطريفة التي تطرق إليها، حديثه عن بعض القادة العالميين، على سبيل المثال، وصف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه “رئيس حيّ في شيكاغو ولكن لديه قنبلة نووية”، كما تحدث عن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بشكل ساخر، مشيرًا إلى أنه كان يستعين بالكعب العالي ليبدو أطول قامة، مما يعكس لمحات طريفة وأسلوباً غير معتاد في الحديث عن الشخصيات العالمية.
السياسة الداخلية وتحديات الإصلاح
استعرض أوباما أيضًا أبرز إنجازاته على الصعيد الداخلي، مثل قانون الإصلاح الصحي، الذي كان من أبرز إنجازاته خلال ولايته.
تناول في مذكراته التحديات التي واجهها مع الجمهوريين، وذكر كيف كان هدفهم الأكبر هو منعه من الحصول على فترة ولاية ثانية. كما تطرق إلى الدور الكبير للمال وسلطة وول ستريت في الحياة السياسية الأمريكية، وناقش تأثير البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية (CIA) على صنع القرار، وكيف تم استقباله بفتور من بعض الشخصيات لأنه لم يكن خدم في الجيش.
الجانب الإنساني والعائلي
من خلال وصفه لأدق تفاصيل حياته اليومية، يقدم أوباما لمحات عن شخصيته كأب وزوج. يصف وقته مع عائلته ويعرض حياته الإنسانية بعيداً عن السياسة، مما يضفي بعداً إنسانياً على الكتاب.
ضم الكتاب أيضاً مجموعة مختارة من الصور التي تؤرخ لمسيرته منذ طفولته وحتى فترة رئاسته، مما جعل المذكرات تبدو وكأنها رحلة سينمائية تعيد للقارئ كل تفاصيل هذه الفترة.
الخاتمة
“أرض موعودة” هي تجربة قراءة فريدة تكشف عن مسيرة باراك أوباما السياسية والإنسانية. يحمل الكتاب في طياته قصصاً عن الصراعات الداخلية والخارجية التي واجهها، ويعكس رؤيته للعالم وشخصيته المتأملة، مما يجعل من مذكراته رحلة مشوقة في عالم السياسة والحياة. تُعد المذكرات مرجعاً ثرياً لفهم تاريخ الولايات المتحدة الحديث، وتجربة إنسانية استثنائية لرئيس عاش الحلم الأمريكي بأبعاد متعددة.
“أرض موعودة” هو أكثر من مجرد كتاب سياسي؛ إنه سرد لرحلة قاسية ورؤية لمستقبل أفضل، ودرس في القيادة والأمل.