
الحمد لله: مفتاح السكينة وبوابة الرضا
الحمد لله، كلمة خفيفة على اللسان، عظيمة في الميزان، بها تبدأ الحياة معناها، وتلبس النفوس ثوب الطمأنينة، وتستقيم القلوب على درب اليقين.
هي الكلمة التي تبدأ بها سورة الفاتحة، أمّ الكتاب، وهي القول الذي يُفتتح به الذكر، وتختم به الصلاة، ويتردد صداه في كل آنٍ ولحظة من حياة المؤمن.
الحمد لله: كلمة تملأ الوجود نورًا
حين يقول العبد “الحمد لله”، فإنه لا يردد مجرد حروف، بل يُعلن تسليمه لله، ورضاه بما قسم، واعترافه بجمال الخَلق والخالق، وعدله ورحمته، وحكمته في كل أمر.
ولذا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “الْحَمْدُ لِلَّهِ تَمْلَأُ الْمِيزَانَ” (رواه مسلم). فهي ليست فقط كلمة، بل عبادة قلبية ولغة روحية ترتقي بالإنسان فوق هموم الدنيا.
الحمد لله في السراء
ما أعظم أن يذكر العبد ربه إذا نعم، ويشكره إذا أُعطي، ويحمده إذا فُتح له باب خير أو رُزق برزق! فقد قال تعالى: {لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم: 7]، والحمد لله هو أول درجات الشكر.
فمن لم يحمد لم يشكر، ومن لم يشكر لم يزد له، بل ربما يُسلب منه النعمة دون أن يشعر.
الحمد في السراء هو وعي دائم بأن كل نعمة مصدرها الله، وأن كل فضل مردّه إلى كرمه، لا إلى جهدنا وحده.
فالمؤمن يحمد لا لأنه نال ما يريد فقط، بل لأنه نال ما قدره الله له، وهو أعلم به منه.
الحمد لله في الضراء
وما أندر الحمد في وقت الضيق! لكنه أصدق الحمد وأقربه إلى الله.
فالحمد في البلاء عبودية عظيمة، لا يعرفها إلا من عرف الله حقّ معرفته، وآمن أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه.
ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: “عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير… إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له”؟
الحمد في الشدة هو إيمان بأن الله يختبر عباده، وأنه لا يُسلّط ألمًا إلا ليطهّر به قلبًا، أو يرفع به منزلة، أو يكفّر به ذنبًا. ومهما اشتدت العتمة، فإن قول “الحمد لله” يفتح نور الأمل، ويزرع الثقة في عدل الله.
تحصين النفس
الحمد لله في كل حال
المؤمن الحقيقي يحمد الله في كل وقت، وفي كل حال، في العلن والسر، في الصحة والمرض، في الغنى والفقر.
ليس لأنه يهوّن من المصيبة، بل لأنه يعظّم المنعم، ويثق أنه أرحم به من نفسه.
فالحمد لله عنده ليس استجابة لحالة نفسية، بل موقف إيماني ثابت.
وقد روى الترمذي عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إنّ عبدًا من عباد الله قال: يا رب لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فعضلت بالملكين، فلم يدريا كيف يكتبانها، فصعدا إلى السماء فقالا: يا ربنا، إن عبدًا قال مقالة لا ندري كيف نكتبها، قال الله – وهو أعلم بما قال عبده –: ماذا قال عبدي؟ قالا: يا رب، إنه قال: لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك، فقال الله لهما: اكتباها كما قال عبدي حتى يلقاني فأجزيه بها.”
انظر إلى هذا الفضل العظيم، كيف أن كلمات الحمد قد تبلغ من العظمة ما تعجز الملائكة عن كتابته كما هو، وتُترك لصاحبها ليجزى بها جزاء عظيمًا يوم القيامة.
لماذا نحمد الله؟
- لأن الله أهل للحمد، فهو الخالق، الرازق، المدبّر، الحكيم، العليم، الرحيم، العدل. ليس لأحد عليه فضل، ولا يمنّ عليه أحد، ومع ذلك يمنّ علينا بنعمه ليلًا ونهارًا.
- لأن في الحمد عبودية محضة، فهو إعلان تسليم وانكسار لله، واعتراف بأن النعمة ليست من النفس ولا من البشر، بل من الله وحده.
- لأن في الحمد طمأنينة القلب، فمن حمد اطمأن، ومن شكر ارتقى، ومن اعترف بنعمة الله لم يُصاب بالكبر أو الجحود.
- لأن الحمد من صفات أهل الجنة، قال تعالى: {وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [يونس: 10]، فكما بدأ الخلق بالحمد، يُختم الخلود بالحمد.
دروس من “الحمد لله” في حياتنا اليومية
- إذا استيقظت من نومك، فقل: الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا.
- إذا انتهيت من طعامك، فقل: الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين.
- إذا رُزقت بابن أو نجاح أو وظيفة، فقل: الحمد لله الذي بنعمته تتمّ الصالحات.
- إذا فقدت شيئًا أو أصابك هم، فقل: الحمد لله على كل حال.
اجعلها شعارا في حياتك

اجعل “الحمد لله” لسان حالك لا فقط لسان مقالك. عش بها، وردّدها، واغمر بها قلبك ومجالس أهلك وأولادك.
لا تجعلها مجرد عبارة تقال عند المصائب أو المناسبات، بل ليكن لها في قلبك مقام دائم. فإنها ليست فقط شكرًا، بل نورًا، وسكينة، وقربًا من الله، وسببًا في بركات لا تُعد ولا تُحصى.
الحمد لله في الأولى، والحمد لله في الآخرة، والحمد لله على كل حال، وفي كل حال، ومن كل حال، وإلى كل حال.
تعليق واحد