رحيل الفنان لطفي لبيب وداعًا لصوت هادئ في ذاكرة الفن المصري

غيب الموت صباح اليوم الأربعاء، الفنان المصري القدير لطفي لبيب، عن عمر ناهز 74 عامًا، بعد صراع طويل ومرير مع المرض، وفق ما أكدته مصادر طبية أشارت إلى أن الوفاة حدثت فجرًا داخل المستشفى، عقب تدهور مفاجئ في حالته الصحية.
جاءت النهاية بعد رحلة علاجية معقدة، خضع خلالها لعدة مراحل من الرعاية الطبية، إثر تدهور صحته في الآونة الأخيرة، حيث عاد مجددًا إلى المستشفى ووُضع تحت المراقبة الطبية الدقيقة على مدار الساعة، لكن رغم الجهود الطبية المبذولة، لم تشهد حالته أي تحسن يُذكر حتى وافته المنية.
▪️ سيرة فنية حافلة وذاكرة حية
يُعد الراحل لطفي لبيب من الأسماء اللامعة التي حفرت لنفسها مكانة خاصة في سجل الفن المصري، بما قدّمه من أدوار تنوّعت بين السينما والمسرح والدراما التلفزيونية. ورغم بداياته المتأخرة نسبيًا، إلا أن حضوره كان طاغيًا، وموهبته فرضت نفسها بهدوء وثبات.
شارك في أكثر من 100 عمل سينمائي و30 مسلسلًا دراميًا، مجسدًا شخصيات متعددة لا تُنسى، مزجت بين الطابع الكوميدي والبُعد الإنساني والاجتماعي، بأسلوب رصين لا يخلو من البساطة والعذوبة.
لقد أتقن فن “الوجود بدون ضجيج”، وظل ركنًا أساسيًا في كثير من الأعمال الناجحة دون أن يسعى للبطولة المطلقة، بل آمن دومًا بأن قوة الفن تكمن في صدقه، لا في حجمه.
▪️ لطفي لبيب: المثقف والفنان
لم يكن لطفي لبيب مجرد ممثل يُتقن أدواره، بل كان صوتًا مثقفًا وواعيًا داخل الوسط الفني.
عرفه الجمهور بشخصيته المتزنة، وتصريحاته التي تعكس إدراكًا عميقًا لدور الفن في المجتمع، وحرصه الدائم على تقديم ما يخدم القيم الجمالية والإنسانية.
درس في المعهد العالي للفنون المسرحية، كما امتلك خلفية ثقافية قوية، انعكست على اختياراته الفنية، وطريقته في تجسيد الشخصيات، لا سيما تلك التي تجمع بين البعد النفسي والروح المرحة، حتى بدا وكأنه صديق دائم للمشاهد، مهما تنوّعت الأدوار.
▪️ بصمة لا تُنسى في السينما والمسرح
من أبرز أفلامه: اللي بالي بالك، السفارة في العمارة، عسل أسود، كده رضا، واحد من الناس، غبي منه فيه، عمر وسلمى، بدل فاقد… أعمال لم تكن فقط وسيلة للضحك، بل حملت في طياتها نقدًا اجتماعيًا لاذعًا، ورسائل إنسانية رقيقة، وكانت شخصيات لطفي لبيب بمثابة الجسر الذي يربط الجمهور بقلب الحكاية.
أما على خشبة المسرح، فقد قدّم أدوارًا فارقة تترسخ في ذاكرة من عاشوا عصره، وكان دائمًا مثالًا للفنان الذي يحترم الخشبة، ويمنحها من روحه قبل أدائه.
▪️ غياب في زمن الحاجة إلى الفن النبيل
يرحل لطفي لبيب اليوم في زمن يعاني من صخب الإنتاج وضعف المضمون، كأن غيابه يسلط الضوء مجددًا على الحاجة إلى فن راقٍ يمسّ القلوب دون افتعال، ويجمع بين الطرافة والتفكير، كما اعتاد أن يقدمه على مدار سنوات.
وقد نعاه عدد كبير من زملائه الفنانين عبر منصات التواصل الاجتماعي، معبرين عن حزنهم الشديد لفقدان “صاحب الظل الخفيف، والقلب الكبير”، كما وصفه البعض، بينما تناقل الجمهور مقاطع من أبرز أعماله، في استعادة سريعة لمآثر فنية صنعت ذاكرة أجيال.
▪️ الوداع الأخير
تقرر تشييع جثمان الفنان الراحل عصر اليوم، وسط حضور من أسرته وأصدقائه وعدد من رموز الفن، في وداع يليق برجل عاش محترمًا للفن وللناس. وستُقام مراسم العزاء في أحد المساجد الكبرى بالقاهرة، لتودعه مصر بكل المحبة والوفاء الذي يستحقه.
رحل لطفي لبيب، لكن حضوره سيبقى شاهدًا على زمن الفن الجميل، وعلى طراز من الممثلين الذين قلّ عددهم في زمننا الحالي… فوداعًا لمن صنع البسمة بالعقل، ونقش الحكاية بالإحساس، وسكن ذاكرة الفن المصري بكل استحقاق.
