رواية مجرّد أم لروي ياكوبسن

مراجعة شاملة مجرّد أم لروي ياكوبسن (ترجمة: محمد حبيب — دار ممدوح عدوان للنشر)

1. تقديم عام

«مجرّد أم» رواية جديدة مترجمة إلى العربية ونُشرت حديثًا عن دار ممدوح عدوان في دمشق. تنتمي الرواية إلى دائرة السرد الواقعي المتأمّل، وتستند إلى حبكة تبدو بسيطة من ناحية الحدث الخارجي لكنها عميقة في بعدها النفسي والاجتماعي.

تُطرح فيها أسئلة عن الأمومة، الغياب، الهوية المجتمعية، والعلاقات الصغيرة داخل مجتمع جزيري أو معزول، وتستثمر في حالة الشكّ والبحث التي يفرضها اختفاء شخصية أم على محيطها.

2. ملخص الحبكة (بدون حرق متمادى)

تدور الأحداث حول اختفاء امرأة — تُدعى أولافيا — التي تغادر منزلها فجأة تاركة زوجًا وطفلًا.

يتحوّل غيابها إلى لغز يخصُّ الأسرة الصغيرة والمجتمع المحيط. يتولّى رعاية الطفل (ماتياس) شخص أو أشخاص آخرون — وخاصة شخصية إنغريد التي تدخل في حياة الصبي ومن ثم في نسيج المجتمع المحلي على الجزيرة.

عبر تعاقب المشاهد واستدعاء ماضي الشخصيات، تتكشف علاقات معقّدة، أسرارًا صغيرة، وتمثّلات اجتماعية تعيد تشكيل وجهات نظر الأطراف حول الأمومة والالتزام والمكان.

الحدث الخارجي بسيط، لكنه يمثّل منطلقًا لإجراءات سردية متعددة: استدعاء الذكرى، استجواب الأخلاق الصغيرة، والتصوير النفسي الداخلي للشخصيات.

3. الموضوعات والمحاور الرئيسية

  • الأمومة والغياب: عكس عنوان الرواية رؤيتين متناقضتين للأمومة: كحضور يومي ومادي، وكدور رمزي/وجودي. اختفاء الأم يفتح سؤال: هل الأمومة وظيفة قابلة لنقلها؟ أم أنها صفة أعمق ومرتبطة بهوية الفرد والمكان؟
  • الهوية والانتماء: الطفل الذي يفقد مكانته الطبيعية يصبح مرآةً للمجتمع؛ كيف يُستقبل الطفل من قبل الآخر؟ وكيف يعيد المجتمع تعريف نفسه عبر تعاطيه مع هذا الغريب الصغير؟
  • الأسرار المجتمعية: الجزيرة أو المجتمع الصغير في الرواية يعمل كبيئة مغلقة لا تختزل فقط الأحداث بل تحتفظ بسجلّات غير معلنة من التحاملات، الصمت، والذكريات.
  • التضامن والهشاشة: تأتي شخصيات مثل إنغريد لتمثل وجه التضامن الذي يحمل طاقة زمنية لإعادة تركيب حياة طفل، لكنها أيضًا تعبّر عن هشاشة العلاقات الإنسانية عندما تتعرض لضغط الجرح الداخلي والفضيحة المجتمعية.

4. الشخصيات وبناء الأنساق الإنسانية

الشخصيات في «مجرّد أم» ليست شخصيات صاخبة بأفعال خارقة، بل هي شخصيات يومية: زوج مرتبك، أم رحّلت، طفل مرتبك، وجيران/أقارب يشكّلون فسيفساء من المواقف.

النبوغ الحقيقي للرواية في رسمها الداخلي: كيف تُظهِر الحالة النفسية للشخصيات عبر التفاصيل الصغيرة — روتين، فعل، كلمة لم تُقل — بدلاً من الاعتماد على أحداث درامية متصاعدة فقط. بهذا الأسلوب، يتحول الصراع الداخلي إلى محرّك سردي أقوى من الصراع الخارجي.

5. الأسلوب السردي واللغة

الأسلوب في الأصل (النرويجي) معروف لدى قرّاء ياكوبسن بأنه متأنٍ، تقليدي في الشكل لكنه غزير في اللمحات الإنسانية الحسّاسة.

الترجمة العربية لِـمحمد حبيب (وفق بيانات الإصدار) تحاول أن تنقل هذا الإيقاع الهادئ: جمل قصيرة أحيانًا، تفريعات تأملية أحيانًا أخرى، ووصف يلتقط تفاصيل الطبيعة والمكان والوجوه.

ما يُلاحَظ في النص المترجم هو ميله للصوت الذي يساوي بين الراوي الناظر إلى الخارج والراوي المتأمل داخل الذات، فتتداخل الأصوات لتنتج نصًا متأرجحًا بين الرواية النفسية والنص الاجتماعي.

6. البنية الزمنية والحكي

يعتمد السرد على تنقّل زمني متكرر — استدعاء الماضي لمآلات الحاضر — دون تشتيت القارئ. الإيقاع بطيء متقن، وهو ما يخدم نوع النص النفسي المعتمد على استقصاء الدواخل.

الرواية لا تسعى إلى إثارة فورية بقدر سعيها نحو كشف تدريجي، ما قد يُسعد القارئ الذي يقدّر العمل الأدبي البطيء والمتأنّي.

7. نقاط القوة

  • عمق إنساني حقيقي: تصوير حالات ضعف وصمود بصراحة متوازنة.
  • لغة مترجمة محافظة على النبرة: إحساس بوجود جهد لترجمة إيقاع النص الأصلي ونفحته الحذِرة.
  • تركيز على التفاصيل اليومية: التفاصيل الصغيرة تعمل في الرّواية كقنبلة زمنية تُفجّر معنى مع كل استدعاء.

8. نقاط الضعف أو الملاحظات النقدية

  • الوتيرة البطيئة قد تبطئ انخراط بعض القرّاء: قارئ يفضّل الإيقاع السريع أو حبكات مفاجئة قد يشعر بالملل أحيانًا.
  • الحبكة الخارجية بسيطة إلى حدّ يجعل التوقع الدرامي محدودًا: فإذا كان القارئ يبحث عن تعقيد حبكي واضح، فقد يشعر بالنقص. ومع ذلك، هذا تبنٍّ أسلوبي من المؤلف، ليس بالضرورة عيبًا موضوعيًا.

9. المقارنة المختصرة (إن صحّ المقام)

بالنسبة لمن يعرف أعمال ياكوبسن الأخرى أو الأدب الإسكندنافي الحديث، «مجرّد أم» تذكّر بنصوص تضع الإنسان العادي في مواجهة مصيره الصغير داخل مجتمعات مغلقة، وتلتفت إلى تفاصيل الحياة كمنجنيقٍ لتحقيق معنى أدبي عميق.

10. الخلاصة والتوصية

«مجرّد أم» عمل إنساني رفيق يقدّم قراءة متأنية عن خللٍ بسيط يمكن أن يهزّ نظام حياة كامل.

إن كنت قارئًا يقدّر الروايات النفسية التي تُعيد تركيب المشاعر عبر تفاصيل الحياة اليومية، فهذه الرواية تُعدّ توصية واضحة.

أما إن كنت تبحث عن إثارة حبكية سريعة أو حبكات متشابكة مع تقلبات درامية مستمرة، فقد لا تكون هذه الرواية مناسبة لك تمامًا.

الخلاصة: عمل متوازن، مترجم يحاول الحفاظ على النبرة، وذو بعد إنساني تُفصّله اللغة بلطف. قراءة موصاة للمهتمين بالأدب الاجتماعي والنفسي المعاصر.

معلومات نشرية (مقتضب)

  • الناشر: دار ممدوح عدوان للنشر والتوزيع (دمشق).
  • المؤلف: روي ياكوبسن.
  • الترجمة: محمد حبيب (مذكور في بيانات الإصدار والإعلان).
  • ملاحظات: الإعلانات وصفحات المكتبات ومراجعات القراء المتاحة تشير إلى صدور الكتاب حديثًا، لكن قد يختلف توفّره في المكتبات المحلية حسب شبكة التوزيع.
رواية مجرّد أم لروي ياكوبسن
رواية مجرّد أم لروي ياكوبسن

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى