
مايجور تايلور البطل الذي مهد الطريق احتفاء فني بالعدالة والريادة عبر الدراجة
صدر غلاف عدد 2 يونيو 2025 من مجلة The New Yorker بلوحة فنية بديعة للفنان الأمريكي الشهير كادير نيلسون، تحمل عنوان “Major Taylor, a Champion Who Led the Way”، أي: “مايجور تايلور، البطل الذي مهد الطريق”.
عمل فني يستوقف القارئ قبل أن يتصفح المجلة، ويضعه وجهًا لوجه مع صورة تتجاوز جمال التكوين البصري لتتحول إلى رمز ثقافي وتاريخي غني بالدلالات.
في هذه اللوحة، يظهر مايجور تايلور، أول بطل عالمي للدراجات من أصول إفريقية، في لحظة اندفاع مهيبة على دراجته، محاطًا بمباني الطوب الأحمر لمدينة أمريكية وسماء مفتوحة تشي بالأمل والانطلاق. ملامحه الحادة، عضلاته المشدودة، ونظرته الثاقبة كلها تنقل الإصرار، المقاومة، والانتصار.
الفن كوثيقة تاريخية
لوحة نيلسون لا تكتفي بتجسيد الرياضي، بل ترفعه إلى مرتبة الرمز.
مايجور تايلور (1878–1932) لم يكن مجرد رياضي بارع، بل كان أسطورة واجه العنصرية والتمييز ببسالة في مطلع القرن العشرين، حين كانت الولايات المتحدة ترزح تحت قوانين الفصل العنصري وثقافة الهيمنة البيضاء.
فأن يفوز رجل أسود في سباقات دراجات دولية ويكسر الأرقام القياسية في أوروبا والولايات المتحدة، كان بمثابة ثورة رمزية تخترق حواجز العرق والطبقة.
كادير نيلسون: فن يقاوم النسيان
اختار كادير نيلسون، المعروف بأعماله التي تمجد شخصيات سوداء بارزة وتعيد سرد التاريخ الأمريكي بعدسة إنسانية، أن يضع تايلور في مقدمة الصورة، بشخصية ضخمة تتقدم المدينة والسماء، في كناية بصرية عن الدور الريادي الذي لعبه في تمهيد الطريق لأجيال من الرياضيين.
نيلسون لا يرسم من أجل الجمال وحده، بل يرسم ليذكر، ليوقظ، وليعيد تشكيل الذاكرة الجماعية.
في أسفل اللوحة، نلمح مجموعة من راكبي الدراجات من أعمار وأعراق مختلفة.
هذا الحضور المتنوع يوحي بأن الطريق الذي شقه تايلور لم يذهب سدى، بل أصبح ممرًا عامًا يعبره الجميع اليوم بحرية، بينما يظل هو، في مقدمة المشهد، القائد الذي مهد الطريق.
الغلاف كبيان ثقافي
اختيار مجلة The New Yorker لهذا الغلاف في هذا التوقيت، وفي هذا الحجم والرمزية، يتجاوز الإشادة بفنان أو رياضي.
إنه دعوة للتأمل في التاريخ غير المرئي، في من سقطوا من صفحات المناهج، وفي من ساهموا في صياغة معنى البطولة بصمت وشجاعة.
الغلاف هو بيان ثقافي عن العدالة، عن الذاكرة، وعن الفن كوسيلة مقاومة ضد النسيان.
ما بين الفن والهوية
لا يمكن فصل هذا الغلاف عن السجال الدائم حول الهوية والتاريخ في أمريكا اليوم.
ففي بلد لا تزال فيه آثار العنصرية قائمة، تأتي لوحة مثل هذه لتعيد كتابة الرواية — ليس كحكاية ضحية، بل كملحمة بطل. والجميل أن هذا البطل لا يحمل سيفًا، بل دراجة. لا يحارب في معركة دموية، بل في سباق، في رياضة، في تحدي للسرعة والزمن والتمييز.
الدواسة التي دوّت في التاريخ
في زمننا هذا، حيث تتداخل الرياضة بالسياسة، وتستحضر الثقافة ذاكرتها لمواجهة الحاضر، تأتي لوحة كادير نيلسون لتكون أكثر من مجرد غلاف: إنها سردية بصرية عن رجل دوّى صوت دوّاسة دراجته في وجه التمييز، وكأنها تقول: من يقاوم، حتى على دراجة، يمكن أن يغير التاريخ.
