كتاب سر الجمال ما الذي يعجبنا في الأشياء التي تعجبنا

في معرض الرياض الدولي للكتاب 2025، يطل علينا كتاب “سر الجمال: ما الذي يعجبنا في الأشياء التي تعجبنا” للفيلسوف البريطاني جون آرمسترونغ بترجمة أنيقة لـ إيمان أسعد، ليأخذنا في رحلة فلسفية آسرة تمزج بين الفكر العميق والسرد الأدبي الرشيق.
هذا العمل ليس دراسة أكاديمية جافة، بل نص حيّ يسعى إلى كشف ما يجعلنا ننتبه، نُفتن، ونتأثر بالجمال من حولنا.
إنه بحث ممتع في مغناطيسية الأشكال وسر انجذابنا اللاواعي لما هو جميل، سواء في الطبيعة، الفن، أو حتى في تفاصيل الحياة العابرة.
الجمال كخبرة إنسانية حيّة
يبدأ آرمسترونغ من أبسط اللحظات وأكثرها تعقيدًا: إحساسنا الفوري أمام منظر طبيعي أخّاذ، أو عمل فني مدهش، أو وجه بشري يثير الدهشة.
يعترف بأن هناك دائمًا مسافة بين ما يمكن للعقل إدراكه وبين ما يلمسه الإحساس مباشرة. هذا التوتر بين الإدراك والشعور هو جوهر بحثه: كيف يمكننا تفسير تلك الرعشة الغامضة التي نشعر بها أمام الأشياء الجميلة؟
فتح أبواب متعددة لفهم الجمال
الكتاب لا يقدّم تعريفًا واحدًا للجمال، بل يفتح أمام القارئ أبوابًا متعددة للفهم:
- الفن والخطوط البدائية: يبين كيف أن حتى أبسط الأشكال قادرة على تحريك وجداننا.
- الألوان وانسجامها: يتأمل في فتنة الألوان التي تكتمل لتشكّل لوحة متكاملة.
- اللذة والمعنى العميق: يناقش كيف يجمع الجمال بين المتعة الحسية والمعاني الفكرية والروحية.
- الأسطورة والعجز أمام الدهشة: يقترح أن شعورنا بالإعجاب أمام الجمال هو أحيانًا أقرب إلى الانبهار الأسطوري الذي يعجز عن التفسير.
جمال يتجاوز الشكل إلى الأخلاق والفكر
واحدة من أهم أطروحات آرمسترونغ أن الجمال ليس محصورًا في المظهر الخارجي للأشياء، بل يتخلل الأخلاق، والسلوك الإنساني، والأفكار العميقة.
فالجمال قد يكون في تصرف نبيل، أو في موقف إنساني يلامس القلب، تمامًا كما يمكن أن يكون في عمل فني أو منظر طبيعي.
بهذه الرؤية الواسعة، يعيد الكاتب تعريف الجمال كقوة حية تحيط بنا في كل شيء: في الأجسام والوجوه، الأخلاق والفن، الطبيعة واللغة، وحتى في اللحظات العابرة من الحياة اليومية.
أسلوب أدبي رشيق وسرد فلسفي ممتع
يمتاز النص بأسلوبه الأنيق والبسيط الذي يوازن بين العمق الفلسفي والوضوح السردي.
فهو يبتعد عن التنظير المعقد، ليقدّم تأملاته بطريقة تجعل القارئ العادي والفيلسوف على السواء قادرين على التفاعل مع أفكاره. الترجمة التي قدّمتها إيمان أسعد تنقل روح النص بأمانة وبلاغة، مما يحافظ على رصانة المعنى وانسيابية الأسلوب.
أهمية الكتاب في سياقنا الثقافي
في زمن يزداد فيه الانشغال بالمظاهر السطحية والسرعة البصرية، يذكّرنا “سر الجمال” بأن الجمال ليس مجرد متعة بصرية عابرة، بل نافذة لفهم أعمق للإنسان والعالم.
إنه كتاب يعيدنا إلى التأمل البطيء، ويحفّزنا على إعادة النظر في علاقتنا بالجمال من حولنا، سواء في الطبيعة أو في الفن أو في العلاقات الإنسانية.
انطباع ختامي
“سر الجمال” عمل فلسفي ممتع وملهم، يقدّم رحلة فكرية عميقة دون أن يفقد دفئه الإنساني.
سيجد فيه محبو الفلسفة والأدب والفن مادة غنية للتفكير، بينما سيستمتع به أيضًا القارئ الذي يبحث عن إجابات بسيطة لسؤال قديم: لماذا تُدهشنا الأشياء الجميلة؟.
إنه إضافة نوعية إلى رفوف المكتبة العربية، وكتاب يستحق أن يُقرأ بتأنٍ ليمنح قارئه فرصة لاكتشاف نفسه والعالم من جديد.
