
في عملٍ فكري جديد صدر حديثًا عن دار الساقي في بيروت، يعود إلينا الفيلسوف الفرنسي الراحل ميشيل فوكو بسؤالٍ قديمٍ جديد: ما الفلسفة ؟.
لكن فوكو لا يقدّم إجابة، بل يقلب السؤال على وجهه، يحفر في طبقاته، ويُقوّض مسلماته. الكتاب، الذي ترجمه إلى العربية الدكتور الزواوي بغورة، يأتي في 320 صفحة من التأملات الحادة، والحدود المتفجرة بين الفلسفة، والسلطة، والذات.
فوكو الفلسفة لا تُعرَّف بل تُمارَس

منذ كتاباته الأولى، لم يكن فوكو يعترف بـ “تعريف” للفلسفة. بالنسبة له، هي ليست مجموعة من المبادئ أو الأقوال الجاهزة، بل هي طريقة في تفكيك الخطابات وتحليل الأنساق المعرفية التي تُنتج الحقيقة.
وفي هذا الكتاب، الذي يستند إلى مخطوطة غير منشورة كتبها فوكو سنة 1966 بعنوان الخطاب الفلسفي، نقرأ تأملًا فريدًا لها بوصفها خطابًا يُعيد تشكيل ذاته باستمرار، ويكفّ عن ادعاء امتلاك الحقيقة لصالح مساءلتها.
ما الفلسفة؟ سؤال متأخر أم مبكّر جدًا؟
لا يُجيب فوكو على هذا السؤال بشكل مباشر، بل يضعه في سياق علاقته بالحداثة، والمعرفة، والسلطة، والذات. هي بالنسبة له، تُعرَّف من خلال علاقتها بما ليس هي: بالعلم، بالسياسة، بالأخلاق.
ويُحذر فوكو من أي محاولة لـ”تطويق” الفلسفة ضمن تعريف نهائي، فهي في تحوّل دائم، وتعيش على هامش المألوف.
الزواوي بغورة مترجم بروح الفيلسوف
تألّق الدكتور الزواوي بغورة، أستاذ وأحد أبرز المتخصصين العرب في فكر فوكو، في تقديم ترجمة لا تكتفي بالحرف بل تسعى إلى نقل روح النص الفلسفي.
سبق لبغورة أن ترجم أعمالًا مهمة لفوكو مثل يجب الدفاع عن المجتمع وتأويل الذات، وها هو اليوم يُواصل هذا المسار بترجمة كتاب يضع القارئ في مواجهة مباشرة مع أصعب مفاهيم فوكو وأعمقها.
إقرأ أيضا : رواية The Cat Who Saved the Library
الفلسفة كخطاب لا يرتاح
في أحد أكثر المقاطع تأثيرًا، يتحدث فوكو عن الخطاب الفلسفي بوصفه لا يفكر في الأشياء بل في شروط إمكان التفكير نفسه.
الفلسفة حسب فوكو ليست مجرد بناء منطقي، بل هي تفكير في كيفية تشكُّل المعارف ذاتها، وفي السلطات التي تحدّد ما يُقال وما لا يُقال.
من السلطة إلى الذات ملامح حداثة قلقة

يمر الكتاب من مفاهيم مثل السلطة، الحقيقة، الجنون، المعرفة، ليصل إلى محوره الأعمق: الذات.
يسائل فوكو الذات لا باعتبارها جوهرًا ثابتًا، بل كنتاج لسلسلة من الخطابات والسلطات التي تُعيد تشكيلها.
في هذه اللحظة، تنقلب الفلسفة إلى ممارسة لتحرير الذات من قبضة “الأنظمة المعرفية”.
مراجعات عالمية وعربية للكتاب
تناول موقع لوموند الفرنسية الكتاب بقولهم:
“ميشيل فوكو يسلّط الضوء على البنية السرية للفلسفة… حيث يُعيد تعريفها بوصفها خطابًا يتشكل في قلب التوتر بين المعرفة والسلطة.”
رابط:
lemonde.fr – مقال عن الكتاب
وفي تغطية لجريدة “نداء الوطن” اللبنانية، قيل عن الزواوي بغورة:
“يرتبط اسمه بترجمة أعمال ميشيل فوكو… نشاط فلسفي أصيل، يتجاوز الترجمة إلى تقديم فكر فوكو بلغة قريبة من القارئ العربي.”
رابط:
نداء الوطن – عن الزواوي بغورة
ما بعد الفلسفة… مع فوكو
“الكتاب؟” ليس كتابًا يُقرأ من أجل جواب، بل هو عمل يدعونا لأن نُعيد صياغة الأسئلة، لا أن ننتظر الإجابات.
هو تمرين على مقاومة النمطية الفلسفية، وعلى تحطيم أسوار المفاهيم المريحة.
فوكو، عبر هذا الكتاب، لا ينهي حديثه عن الفلسفة، بل يُبقيها يقظة، متوترة، وضرورية.
2 تعليقات