
في روايته الجديدة “ليلة الثاني من آب”، يُطل علينا الكاتب العراقي فلاح رحيم بأسلوبه المعروف بالعمق النفسي والسرد المتقن، ليأخذنا هذه المرة في رحلة إلى ليلة مفصلية من تاريخ العراق المعاصر، حيث تنفتح ذاكرة الحرب، وتطفو جراحها من جديد على السطح.
الرواية صدرت عن دار الرافدين، وهي امتداد لمسيرة أدبية حافلة لفلاح رحيم، الذي سبق له أن أصدر أعمالًا مثل القنفذ في يوم ساخن والقرن الأخير في السوق الشرقي.
زمن الرواية: ما قبل الزلزال
تنطلق الرواية من ليلة الثاني من آب عام 1990، أي قبل غزو الكويت بساعات، حيث يُقام في بغداد “تجمع مسرحي وثقافي”، يشهد حضورًا لافتًا من النخب، وتُعرض فيه مسرحية للفرقة الوطنية العراقية على قاعة الرباط.
تتشابك هنا السياسة مع الثقافة، ويعلو سؤال كبير: ما الذي كان يخبئه الغد؟ الرواية لا تهتم بمجريات الغزو العسكري بقدر ما تهتم باستعراض التوجس النفسي الذي سبق الانهيار.
تفاصيل ليلية تغزل مصير وطن
عبر سرد دقيق ومتشابك، نتابع ليلة واحدة، طويلة ومثقلة بالقلق، تُعرض فيها ملامح مجتمع يتهيأ – دون وعي – للدخول في نفقٍ مظلم.
من خلال حكايات شخصيات متنوعة، نتعرف على المدينة بعيون الذين لم يناموا في تلك الليلة: صحفيون، موظفون، عشاق، فقراء ينتظرون فرصة عمل، ومترجم عتيق يترقب مستقبلًا مجهولًا.
ينسج فلاح رحيم صورة بانورامية لبلادٍ على شفير الانهيار، ويُبرز هشاشة الأمل، وبؤس الواقع، وعبثية الانتظار، من دون أن ينسى أن يُحمّل الشخصيات عبء الذاكرة الجمعية.
سرد مكثف وشخصيات معقدة
اعتمد المؤلف على أسلوب سردي متماسك ومشحون بالتفاصيل النفسية والاجتماعية، حيث لا تقدم الرواية حبكة درامية تقليدية، بقدر ما تقدم مقطوعة سردية غنية بالرموز، تطوف في فضاءات بغداد عشية الغزو، وتصور ارتباك الناس وخوفهم من المجهول.
تبرز الرواية قدرة فلاح رحيم على التقاط التحولات الدقيقة في لغة الناس، وانفعالاتهم، وأحاديثهم اليومية.
بين الواقعي والمتخيل: سرد التاريخ عبر الأدب

الرواية، وإن كانت تعتمد على واقعة تاريخية معروفة، إلا أنها لا تتخذ منها سوى مدخل، لتغوص في مكنونات الذات العراقية التي عاشت عصورًا من القمع والخوف والانكسار. فالثاني من آب، في الرواية، ليس مجرد تاريخ، بل لحظة رمزية لانهيار الحلم الثقافي والسياسي.
إرث أدبي متنامٍ
تأتي ليلة الثاني من آب ضمن سلسلة من الأعمال الأدبية التي تُعنى بتحليل التاريخ العراقي من الداخل، وتفكيك علاقته بالذات والآخر، حيث سبقتها أعمال مثل:
- القنفذ في يوم ساخن (2012)
- سماء ثقيلة – حدائق الرئيس (2017)
- صندوق الرمل – عرض الطويل من بعيد (2020)
- القرن الأخير في السوق الشرقي (2021)
وتشكل هذه الرواية نقطة تحول في مسار فلاح رحيم، من حيث اللغة والموضوع، وتؤكد على انشغاله بالمجتمع العراقي كحالة وجودية وإنسانية.!