متحف الشيخ زايد صرح ثقافي يعكس ثقافة الإمارات

مقدمة: عبقُ الهوية وتجلّيات الذكرى
يقف متحف زايد الوطني في قلب الجزيرة الثقافية بسعديات أبوظبي، نصباً حضارياً يربط الماضي بالحاضر، وينضح بحُضور الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، مؤسّس الإمارات ورائد النهضة الوطنية. هذا الصرح الثقافي العظيم، المصمَّم بعناية فائقة من قبل نورمان فوستر وفريق Foster + Partners، يعكس القيم الأساس التي حملها الشيخ زايد: الوحدة، الاستدامة، التعليم، والإنسانية .
تصميم مبهر: أجنحة الصقر تتبنّى الطبيعة
تتكوّن عمارة المتحف من خمسة أبراج فولاذية رمزية، مستوحاة من أجنحة الصقور، ومرتفعة بين 83 و123 متراً، تعمل كمداخن شمسية تقليدية مستدامة، تُبرّد المتحف باستخدام تقنيات مستمدة من العمارة الإماراتية التقليدية . وبني المتحف على هيئة “تلّ مبني” مستلهم من تضاريس الإمارات، حيث تُعرض القاعات داخل البُنية الأرضية، وتُعلّق في مساحات تُنشئ نوعاً من “التعليق” البصري والوظيفي .
جولة في المعارض: سردٌ عميق لماضي الإمارات

يبدأ الزائر رحلته بـ “حديقة المسار” (Al Masar Garden)، وهي مساحة خارجية بطول نحو 600 متر تُقسَّم إلى ثلاث مناطق: الصحراء، الواحة، والحضر، وتُعرض فيها النباتات الأصلية، نظام سقاية “الفَلَج” التقليدي، واثني عشر تمثالاً للحيوانات المحلية، لتجسيد الترابط بين الإنسان والطبيعة عبر الأجيال .
عند الدخول إلى قاعات المتحف، يمر الزائر عبر ستة صالات عرض دائمة موزّعة على طابقين، بالإضافة إلى صالة مؤقّتة للمعارض المتغيرة، تُكمل سرد الرحلة الثقافية . وهذه القاعات تتمثل كالتالي:
- Our Beginning (بداياتنا): يروي مسيرة الشيخ زايد وإرثه الذي تشكّلت على أساسه دولة الإمارات الحديثة .
- Through Our Nature (عبر طبيعتنا): يعكس تأثير الجغرافيا المناخية والبيئية في ارتقاء المجتمع الإماراتي .
- To Our Ancestors (إلى أسلافنا): يكشف عن آثار تعود إلى 300,000 سنة مضت، من أدوات حجرية إلى عصور ما قبل التاريخ .
- Through Our Connections (من خلال روابطنا): يستعرض بداية التجارة، اللغة العربية، وانتشار الإسلام في المنطقة .
- By Our Coasts (على سواحلنا): يحتفي بحياة البحر الذهبية—الغوص على اللؤلؤ، والصيد، والتجارة البحرية .
- To Our Roots (إلى جذورنا): يغوص في التقاليد والطقوس المرتبطة بحياة الصحراء والمجتمعات البدوية .
ومن بين المعروضات البارزة: أقدم لؤلؤة طبيعية في العالم، المصحف الأزرق (Blue Qur’an)، إعادة إنشاء قارب ماجان البرونزي بطول 18 متراً نُفذت عبر تعاون بحثي بين جامعة زايد وجامعة نيويورك أبوظبي، بالإضافة إلى آثار من نظام الري القديم وبقايا التعدين والنقوش الإسلامية والعلاقات الثقافية المتنوعة .
دعم علمي وبرامج تفاعلية: التعليم وإحياء التراث
يتعزز دور المتحف كمنصة تعليمية وبحثية، من خلال برامج تواصلية ومبادرات بحثية عالمية تشمل منحاً للعلماء في مجالات الأنساب القديمة، علم الآثار، والاستدامة الثقافية . كما يتضمن المتحف محاضرات، ورشاً، وعروضاً فنية في مساحات متعددة الاستخدامات، بما في ذلك مكتبة وبحوثًا.
الافتتاح والترقب: فصل جديد من الهوية الإماراتية
بعد تأخيرات طويلة امتدت لأكثر من عقد —من المرحلة المخططة لعام 2012 إلى تأجيلات لاحقة— أعلن رسميًا افتتاح المتحف في ديسمبر 2025 ضمن معالم جزيرة السعديات الثقافية . يُعد المتحف إضافة بارزة إلى مشهد المنطقة الثقافي، المزوّد أيضاً بمتحف اللوفر وأحداث TeamLab Phenomena، وقريباً متحف جوجنهايم ومتحف التاريخ الطبيعي .
ختام: صرح يتحدث بلغة الإبداع والحكمة
إن متحف زايد الوطني ليس مجرد مبنى، بل رحلة عبر الزمن والفضاء الإماراتي، حكاية تستمر من عمق الأرض إلى أجنحة الصقر، تتجلّى في سرد تاريخي وفني، تجمع فيه القِرابة إلى الأرض بالقيم الإنسانية، والذاكرة إلى الحلم الوطني. إنه وعد بصياغة المستقبل عبر نثر الماضي.









