مراجعة شاملة إسبرطة يوتوبيات العصور (الأولى/القديمة)

المؤلف: صادق أسطى (Sadık Usta) · الترجمة العربية: د. عرفة عبدالرحمن · الناشر العربي: دار شفق للنشر (إعلان الإصدار في حساب الدار).
ملاحظة فنية: العنوان العربي الذي وصلني منك ذكر «العصور الوسطى»، لكن نصّ الناشر/الأصل التركي للكتاب يعرّف العمل كدراسة في الإسبرطة واليوتوبات في العصور القديمة/الأولى (İlkçağ Ütopyaları).
لذلك سأعالج الكتاب بوصفه قراءة نقدية لإسبرطة بوصفها «نموذج/يوتوبيا» في الفكر القديم، مع الإشارة إلى هذا الفرق لأنّه يؤثر على سياق القراءة.
معلومات سريعة عن الأصل والمؤلف والإصدار العربي
صادق أسطى باحث وكاتب تركي معروف بكتاباته وترجماته في التاريخ والسياسة والفلسفة، وله سلسلة أعمال عن اليوتوبيا والتّنوير والتحولات الحديثة في العالم التركي والعثماني.
صدر عنه مؤخرًا في تركيا كتاب بعنوان Sparta – İlkçağ Ütopyaları (إسبرطة: يوتوبيات العصور الأولى) بالترجمة/الطبعة التركية عن دار Kafka Kitap، ولاحقًا أعلن دار شفق عن طبعة عربية مترجمة.
نصّ الكتاب يجمع بين جهد تأليفي وتحليلي وتعريفي بمصادر قديمة ويقدّمها للقراء المعاصرين.
ما الذي يقدمه الكتاب؟ — فكرة ومحتوى (ملخّص تحليلي)

صادق أسطى هنا لا يقدّم «تاريخ إسبرطة» بالمعنى الأركيولوجي الضيق فحسب، ولا يكتب سيرة عسكرية، بل يستعيد كيف بنَى الفكر القديم — وسار وراءه لاحقون — صورة إسبرطة كـ«نموذج/يوتوبيا»: مجتمع منضبط، متقشّف، قائم على المساواة بين المواطنين (Spartiates) في مقابل طبقة الهيليوت (العبيد) وخضوع صارم للتربية العسكرية والأنظمة القانونية المنسوبة إلى أسطوليدس/ليكيورغوس.
الكتاب يعرض مقتطفات من المصادر القديمة (أفلاطون، زينوفون، بلوتارخ، الهيرودوت) ويعلّق عليها، ثم ينتقل لتحليل كيف استُخدمت «أسطورة إسبرطة» في الخطاب السياسي لاحقًا—من الرومان والعصور الوسطى إلى الفكر الحديث والنهضة والعصور الحديثة، وصولًا إلى قراءات ماضوية أو رومانسية (أو حتى استغلال أيديولوجي).
العمل يتّخذ صيغة مزدوجة: جزء «جمعي ـ توثيقي» (أهم النصوص والوصفات القديمة المرتبطة بإسبرطة) وجزء «تفسيري ـ تأملي» (تحليل دور الأسطورة في تشكيل مفاهيم اليوتوبيا، المساواة، الانضباط، والتعليم الدولة). هذا الأسلوب يجعل الكتاب مناسبًا كمدخل للقارئ العام المهتم بصلب الأسئلة حول علاقة السياسة بالخيال التصميمي للمجتمعات.
منهج المؤلف: بين الجمع والتأويل
يعمل صادق أسطى كمجمّع لنصوص وتعدّيلات نقدية: يجمع أقوالًا قديمة ويضعها في سياقها التاريخي ثم يعيد قراءتها كـ«خرافة سياسية» تمّت إعادتها عبر العصور لخدمة فئات أو مشاريع سياسية واجتماعية مختلفة.
هذا المنهج مفيد لأنه يحرّر القارئ من التلقّي السطحي (الذي غالبًا ما يربط إسبرطة بصورة أحادية: المحارب/الفضيلة/الشهامة) ويعرّيها كمزيج من الحقائق والأساطير التي اعتمدها كتّاب غير إسبرطيين لتصوير نموذج «المدينة الفاضلة» في نقاشاتهم الفلسفية والسياسية.
أهم ما يضيفه الكتاب لقارئ العربي
- نزع الأسطورة من السرد الشعبي: يساعد على فهم لماذا رأت أنظمة وفلاسفة وعصور مختلفة في إسبرطة نموذجًا يستحق الاقتداء أو النقد.
- جسر بين النص القديم والذاكرة الحديثة: يرسم مسارًا لتلقِّي صورة إسبرطة من المصادر القديمة إلى الثقافة الشعبية الحديثة (ومن ثم إلى استعمالاتها الأيديولوجية)، وهو أمر يهم القارئ المعاصر الذي يعرف إسبرطة بالأساس عبر أفلام أو تراكيب رمزية (مثل فيلم 300).
- مدخل لمناقشة اليوتوبيا السياسية: يضع إسبرطة في دائرة أكبر من النقاش حول كيف تصوغ المجتمعات «حلم النظام المثالي» وما تكاليف ذلك على الحريات والطبقات الاجتماعية.
مواضع القوة في الكتاب
- امتصاص المصادر القديمة: اعتماد واضح على نصوص كلاسيكية (أفلاطون، زينوفون، بلوتارخ…)، مع عناية في انتقاء المقتطفات التي توضح كيف صيغت صورة إسبرطة. (مدعوم وصف المنتج الأصلي).
- اللغة التحليلية والقدرة على الربط التاريخي: المؤلف ينتقل من النص القديم إلى تأثيره في العصور اللاحقة بطريقة تساعد القارئ على رؤية تطور الصورة بدلاً من وقوفه عندها كحقيقة ثابتة.
- التقليل من «التبسيط الأسطوري»: نقد مفهوم «المَعجَزة السبارطية» (Spartan Mirage) الذي رآه بعض الباحثين كإفراط في التمجيد من قبل كتاب غير سبارطيين—ويعيد تقييمه ضمن مصالح وتوجهات كل عصر. (تنديد علمي سبق أن طرحه نقاد مثل François Ollier؛ انظر أيضًا لمداخل أكاديمية عن Laconophilia).
ملاحظات نقدية (حدود واحتياطات)
- ليس عملًا أركيولوجيًا معمقًا: إن كنت تتوقع دراسة أثرية أو تحليلًا لغويًا متنورًا للوثائق الأصلية باليونانية ــ فهذا ليس هدف الكتاب بالضرورة؛ هو أقرب إلى معالج نصّي وتأريخي-فكري.
- خطر الانتقال من «التحليل» إلى «التصوّر»: كلما أعاد كاتب حديث قراءة النصوص القديمة، ثمة احتمال لأن تُحمّل المصادر قراءات معاصرة لا تليق بسياقها؛ القارئ المتقدّم قد يحتاج إلى مقارنات مع دراسات أكاديمية متخصصة (مثل أعمال بول كارتليدج وغيرها) لتكملة الصورة.
- مصدر الترجمة: المراجعات تشير إلى أنّ الأصل تركي وللمؤلف حضور بحثي في المشهد التركي؛ لذلك مفيد لو ذكر المحرّر في الطبعة العربية ما إذا كان الاعتماد على النص التركي فقط أم أن المؤلف استند إلى نصوص بلغات أخرى. (ملاحظة منهجية يهم القارئ الأكاديمي).
من سينال الكتاب فائدة مباشرة؟
- طلاب التاريخ والفلسفة السياسية المهتمون بنظريات الدولة واليوتوبيا.
- القارئ العام الذي يريد تصحيح صورته عن إسبرطة (خاصة بعد ثقافة الأفلام والتمثيلات البسيطة).
- المثقفون والباحثون في نماذج الدولة المثلى (من أفلاطون إلى الفكر الحديث).
الترجمة والإصدار العربي
دار شفق أعلنت عن توفير الترجمة العربية (د. عرفة عبدالرحمن) في حساباتها؛ هذه خطوة مهمة لأنّ النص التركي نفسه يقدّم مادة قيمة للقارئ غير التركي، وترجمة متخصصة تُتيح للمتلقّي العربي الوصول إلى هذه المادة دون حاجز لغوي.
جودة الترجمة ستحدد قيمة الإصدار العربي: جزء من قراءة مثل هذه العناوين يعتمد على دقة نقل المقتطفات الكلاسيكية والهوامش التفسيرية. (أنصح القارئ بالاطلاع على فهرس الطبعة العربية لرؤية مصادر النصوص وحواشي الترجمة).
كيفية قراءة هذا الكتاب — اقتراحات
- اقرؤوه كمدخل: لا يُغني عن مطالعة مصادر كلاسيكية (أفلاطون، زينوفون، بلوتارخ) أو دراسات معاصرة (Paul Cartledge إلخ) لكنّه يقوّي الحس النقدي تجاه الصورة الشعبية لإسبرطة.
- اقرأ فصولًا مترابطة: اجعل عينيك على الفواصل بين «المقتطف» و«تأويل المؤلف» لتعرف متى تتوقف للتعمّق خارجًا.
- استخدمه كمنطلق لمناقشات صفية أو نادي قراءة حول «اليوتوبيا والسلطة»: نص غني بالأسئلة لا بالحلول النهائية.
الخلاصة وخلاصة التوصية
«إسبرطة: يوتوبيات العصور (الأولى)» لصادق أسطى هو عمل مفيد وممتع كمدخل معاصر إلى ظاهرة تاريخية وثقافية كبيرة: كيف تحولت إسبرطة إلى «نموذج» لدى الفلاسفة والكتاب عبر القرون، وكيف تكوّن عنها خيال سياسي شكّل بدوره تصورات عن اليوتوبيا والفضيلة والجهد المدني.
الإصدار العربي بترجمة د. عرفة عبدالرحمن ومن دار شفق سيمثل إضافة مهمّة لمكتبتنا العربية، خصوصًا لمن يرغب في فكّ صُوَر مُبسّطة عن إسبرطة والوقوف أمام سؤال: متى تصبح اليوتوبيا استبدادًا، ومتى تظلّ نقدًا لبنية اجتماعية؟
أنصح بالقراءة لأي مهتمّ بالتاريخ السياسي القديم، وبالتفكير في علاقات الماضي بالخطاب السياسي الحديث — ومع الاحتفاظ في الحسبان ضرورة الاطلاع التكميلي على مراجع أكاديمية متخصصة لتوسيع الأفق.
