
في لقاء غير تقليدي بين المستطيل الأخضر وصفحات الأدب، صدر حديثًا عن دار الآن ناشرون وموزعون في عمّان، وبالتعاون مع بيت الزبير في سلطنة عمان، كتاب يحمل عنوانًا لافتًا: “مراوغات غير متوقعة عن مارادونا والأدب وكرة القدم”.
يقع هذا العمل في 128 صفحة، ويضم مجموعة من الدراسات والمقالات التي كتبها مؤلفون من مشارب ثقافية مختلفة، اجتمعوا ليؤكدوا أن مارادونا ليس مجرد أسطورة رياضية، بل رمز ثقافي واجتماعي تتعدد حوله السرديات وتتقاطع الرؤى.
مارادونا من اللاعب إلى الأسطورة الإنسانية
يتجاوز هذا الكتاب السرديات المعتادة عن المهارات الكروية والإنجازات الرياضية، ليقدم صورة بانورامية لشخصية دييغو مارادونا كرمز يتجلى في الثقافة الشعبية، وفي الأدب، بل وحتى في الفلسفة.
يتناول الكتّاب جوانب متعددة من شخصية مارادونا: الموهبة الخارقة، التمرد، التناقض، والسقوط والبعث الدائم. وتظهر صورة اللاعب الأرجنتيني كما لو كانت بطلاً روائيًا، تعبر حياته عن قصة الإنسان المعاصر، المنقسم بين العبقرية والضعف، وبين الحلم والواقع.
الأدب وكرة القدم شراكة غير مرئية
يبرع هذا العمل الجماعي في إظهار العلاقة العميقة بين الأدب وكرة القدم، باعتبارهما مجالين للتعبير الإبداعي والوجداني.
كما أن الرواية تُبنى على إيقاع متصاعد، كذلك تُبنى الهجمة الكروية. وكما تحمل الجملة الأدبية دهشة في تركيبها، تحمل المراوغة لحظة مفاجأة لا تُنسى.
يستعرض الكتّاب تأثيرات كرة القدم على الأدب العالمي، وخصوصًا في أمريكا اللاتينية، حيث تشكل الكرة جزءًا لا يتجزأ من الهوية اليومية، كما يُستشهد بأسماء مثل بورخيس، وغاليانو، وباولو كويلو، ممن كتبوا عن الكرة كأنها استعارة للوجود.
تعدد الأصوات مقاربات غنية ومتنوعة
الكتاب لا يُقدم دراسة واحدة بل رؤى متقاطعة. يكتب أحدهم من منظور أنثروبولوجي، وآخر بلغة أدبية شاعرية، بينما يغوص ثالث في التأريخ السياسي والثقافي للكرة، ويأتي رابع بمقال شخصي يستعيد فيه لحظات الطفولة وهو يشاهد مارادونا.
هذا التنوع يمنح القارئ تجربة مرنة ودافئة، تجعل من كل نص رحلة مستقلة ضمن كتاب واحد.
عنونة ذكية، وكتابة بحس إنساني
عنوان الكتاب “مراوغات غير متوقعة” ليس مجرد إشارة إلى مهارات مارادونا الفنية، بل يعكس طبيعة المقاربات الفكرية التي تخرج عن السياق المتوقع عند الحديث عن كرة القدم أو الأدب.
يكتب الكتّاب بحس إنساني، يجعل من القارئ شريكًا في التأمل، لا مجرد متلقٍ للمعلومة.
هذا الحس، الممتزج بالنوستالجيا والذكاء الثقافي، هو ما يمنح الكتاب خصوصيته ويبعده عن التصنيف النمطي لكتب السير أو الرياضة.
كتاب يعيد الاعتبار للثقافة الشعبية
في زمن ترتفع فيه أسوار التخصص والانغلاق النخبوي، يأتي هذا العمل ليكسر الحواجز بين “الثقافي” و”الشعبي”، ويؤكد أن كرة القدم ليست نقيضًا للثقافة، بل مكونًا جوهريًا لها. فالملعب، كما يقول أحد الكتّاب، هو مسرح سردي حي، والجمهور ليس مجرد مشاهد بل جزء من النص، يصرخ، ويغضب، ويبكي، ويكتب ذاكرته الجمعية عبر كل هدف وكل خسارة.
توصية للقراءة
هذا الكتاب هو فرصة نادرة للغوص في عالم مارادونا من زوايا جديدة، ولمحبي الأدب وكرة القدم معًا، هو عمل يجمع بين المتعة والفكر، ويستحق أن يكون ضمن مكتبة كل قارئ يسعى لاكتشاف ما وراء الصورة النمطية للرياضة أو النخبوية في الأدب.
اقرأه إن كنت تحب مارادونا.
اقرأه إن كنت تظن أنك لا تحب مارادونا.
اقرأه إن كنت تؤمن أن الأدب لا يعيش في الكتب فقط، بل في كل لحظة مراوغة… حتى في الحياة.
