سيكولوجيا الاضطراب العقلي
حين يتداخل العقل والجنون في نسيج النفس الواحدة
لـ برنارد هارت | ترجمة: د. باسم صابر ميخائيل
صادر عن دار خطوط وظلال – عمّان/الرياض – 2024
تمهيد: أن تفهم العقل حين يختل… هو بداية الفهم الحقيقي للعقل حين يستقيم
صدر حديثًا عن دار خطوط وظلال للنشر والتوزيع في عمّان والرياض، كتاب مهم في حقل علم النفس والطب العقلي بعنوان “سيكولوجيا الاضطراب العقلي”، للعالم النفساني البريطاني برنارد هارت، أحد أبرز مؤسسي الطب العقلي الحديث في أوائل القرن العشرين، والذي ساهم في نقل علم النفس من الغموض الميتافيزيقي إلى فضاء العلم التجريبي والمنهجي.
وقد جاء هذا الإصدار العربي بترجمة رصينة ودقيقة للأكاديمي والمترجم الدكتور باسم صابر ميخائيل، الذي قدّم للقارئ العربي نصًا ثريًا في مضمونه، سلسًا في لغته، ومخلصًا للفكر الفلسفي والتحليلي الذي يتّسم به المؤلف.
1. من هو برنارد هارت؟ رائد في زمن التأسيس
ولد برنارد هارت (1879–1966) في لحظة حاسمة من التحول التاريخي في فهم العقل البشري.
كان أحد الأوائل الذين سلكوا طريق الدمج بين الطب النفسي والفكر النفسي التحليلي، مستفيدًا من صعود نظريات فرويد ويونغ، دون أن يذوب فيها.
كان يؤمن بأن فهم المرض العقلي لا يكفي عبر تشخيصه فقط، بل يجب استبطان آلياته الداخلية، وفهم بنيته النفسية واللغوية والمعرفية.
2. الاضطراب العقلي ليس جنونًا… بل لغة أخرى للعقل
يطرح الكتاب أطروحته المركزية من خلال تفكيك ما نسميه بـ”الجنون”. إذ لا ينظر إليه على أنه انقطاع عن الواقع فحسب، بل كنوع من اللغة البديلة للعقل حين يعجز عن التعبير عبر أدواته المعتادة.
يُشير هارت إلى أن ما يبدو على السطح كـ”اختلال” قد يكون تعبيرًا عن نظام مختلف داخليًا، يحكمه منطق خاص، لا يُفهم إلا من خلال أدوات تحليل سيكولوجي عميق.
هذا ما يجعل هارت من أوائل من استشعروا الحاجة إلى تجاوز الثنائية التقليدية: “العقل السليم مقابل المرض”، نحو فهم الاستمرارية بين النمطين، ورؤية الجنون كوجه من وجوه التعدد الإنساني لا كوصمة.
3. الكتاب وأهميته المعرفية: من السلوك إلى المعنى
في هذا الكتاب، يسير برنارد هارت على خطى التحليل النفسي، لكنه لا يقع في فخ التفسير الجنسي المفرط لفرويد، ولا في النزعة الأسطورية ليونغ. إنه يقدم تحليلًا وظيفيًا – معرفيًا، يرى أن الاضطرابات العقلية يمكن أن تكون اختلالات في التنظيم المعرفي والإدراكي.
فمثلًا، الهلاوس ليست خرافة، بل تعبيرات حادة عن ضغوط معرفية داخلية. والانفصام ليس تشققًا في الذات بقدر ما هو تضارب في مستويات الإدراك.
ويُبدي هارت حسًا لغويًا عميقًا في فهم اللغة التي يستخدمها المريض العقلي. إذ يعتبر أن اللغة تُستخدم هنا بشكل “مكسور”، لكنها ليست “فارغة”. ولعل ما يطرحه هنا يسبق بأشواط ما جاء لاحقًا في كتابات لاكان حول اللغة والجنون.
4. من الطب إلى الفلسفة: الوعي بين العلم والتأمل
ما يُميز هذا العمل أن المؤلف لا يكتفي بشرح الظواهر، بل يتأمل في طبيعتها الوجودية. فيعيد تعريف “الوعي” و”الإدراك” و”النفس” ويطرح أسئلة فلسفية عميقة:
- ما الذي يجعلنا نعرف أننا عقلاء؟
- وهل للعقل معايير خارجية أم أنه يراقب ذاته من داخل ذاته؟
- وهل يمكن للعقل أن يمرض من فرط استقراره، لا من اضطرابه؟
أسئلة كهذه تجعل هذا الكتاب ذا صلة أيضًا بطلاب الفلسفة، وليس فقط بعلماء النفس أو الأطباء.
5. الترجمة: جهد أكاديمي واعٍ بثقل النص
يُحسب للمترجم الدكتور باسم صابر ميخائيل أنه نجح في إيصال نبرة النص الأصلية، بلغة عربية أنيقة وعلمية دون أن تكون ثقيلة. وقد حرص على تضمين المصطلحات النفسية الدقيقة، وتوضيح المعاني الإشكالية، وإضافة حواشٍ تثقيفية عند الحاجة.
6. لمن هذا الكتاب؟
هذا الكتاب موجّه إلى:
- طلاب علم النفس والطب النفسي.
- الأكاديميين المهتمين بتاريخ علم النفس الإكلينيكي.
- القراء الذين يهتمون بتفكيك ثنائية “العقل/الجنون”.
- المثقفين الذين يبحثون عن نقطة تلاقي بين العلم والفكر، بين اللغة والوعي.
7. خاتمة: “الاضطراب” ليس خللًا… بل كشف عن هشاشة النظام
في عالم يُسارع إلى تصنيف كل انحراف عن المألوف بأنه “خلل”، يُعيدنا برنارد هارت إلى التفكير بطريقة مختلفة.
إن ما نعتبره اضطرابًا قد يكون في حقيقته مؤشرًا على تعقيدنا الإنساني العميق، وعلى أن العقل ليس نظامًا مغلقًا، بل نهرًا من المعاني التي لا يمكن حصرها.
“سيكولوجيا الاضطراب العقلي” ليس كتابًا علاجيًا فقط، بل كتابًا في فهم الذات. في أن نُصغي لا إلى المريض وحده، بل إلى العقل نفسه حين يصرخ من الداخل.
معلومات النشر
- العنوان: سيكولوجيا الاضطراب العقلي
- المؤلف: برنارد هارت
- المترجم: د. باسم صابر ميخائيل
- الناشر: دار خطوط وظلال – عمّان/الرياض
- التصنيف: علم نفس – تحليل نفسي – فلسفة العقل
- تاريخ النشر: 2024
- عدد الصفحات: قرابة 300 صفحة
- النسخة الورقية: متوفرة عبر خطوط وظلال
- التوزيع: الأردن، السعودية، ودول عربية أخرى
