رواية امرأتان في براغ (بالإسبانية Dos Mujeres en Praga) للكاتب خوان خوسيه ميّاس

معلومات أساسية
- المؤلف: خوان خوسيه ميّاس (Juan José Millás)، كاتب وروائي إسباني.
- ترجمة عربية: أحمد عبد اللطيف، الصادرة عن منشورات حياة ضمن مبادرة “ترجم”.
- الجائزة: الرواية فازت بجائزة الربيع الإسبانية (Premio Primavera) عام 2002.
- عدد الصفحات في النسخة الإسبانية / العربية تقريبًا: حوالي 248 صفحة في النسخة الإسبانية وفق وصف “Dos mujeres en Praga”.
الحبكة والمضمون
الرواية تدور حول لوز أكاسو (Luz Acaso)، امرأة في الأربعين من عمرها، تعيش حالة من الاكتئاب والعزلة، وتتقوقع داخل بيتها.
لوز ترغب بأن يُكتب لها سيرة حياتية، لكنها لا ترغب أن تكون السيرة مجرد توثيق لما سبق، بل تبدأ تخلط بين الحقيقة والخيال.
تتوجه إلى ألڤارو أبريل (Álvaro Abril)، كاتب يدير ورشة أدبية، من أجل مساعدتها في كتابة سيرتها.
تنضم أيضًا ماريا خوسيه (María José) للورشة، وهي شخصية مميزة من حيث رؤيتها – تكتب “رواية باليد اليسرى” وتغطي عينها اليمنى بغطاء، تعبيرًا عن الرغبة في رؤية العالم من منظور مختلف.
مع تطور الأحداث تبدأ لوز في خلق عالم موازٍ في ذهنها، تتداخل فيه التأملات والذكريات والأوهام، بحيث تصبح سيرة ذاتية تختلط بها العناصر الخيالية، والواقع يبدو أحيانًا وكأنه مرآة مشوهة.
الرواية تطرح تساؤلات عميقة مثل:

- من أنا؟ ما هويتي؟، ومتى تصبح الهوية مركبة من ذاكرتي وأرائي وأوهامي؟
- ما علاقة الواقع بالخيال؟ متى تكون السيرة الذاتية مجرد سرد خارجي، ومتى تتحول إلى فنّ خيالي؟
- ما معنى “أن يُكتب لي اسم” أو أن يُعترف بوجودي من الآخرين؟
- كيف نستدعي ذواتنا، أو نعيد تركيبها، عبر الكتابة، السرد، الأخر؟
الأسلوب والخصائص اللغوية
- ميّاس يمزج بين الواقعي والغرائبي، وبين المفارقة والفكاهة السوداء، مما يعطي الرواية طابعًا غير اعتيادي ومشحونًا بالتوتر النفسي.
- استخدام السرد المتعدد الأصوات: لوز، ألڤارو، ماريا خوسيه – كل منهم يساهم بنوع من السرد أو الرؤية التي تذهب إلى زوايا مختلفة من الحقيقة (أو الزائفة) عن الشخصية الأساسية أو عن الواقع.
- الرمزية والميتافيروسية: فالعمل غالبًا لا يكتفي بما هو ظاهر، بل يضع بين السطور رموزًا لأشياء مثل الهوية المختفية، الظل، التبني، الرغبة في أن يكون للإنسان أثر، أن لا يكون محترفًا/مألوفًا فقط، بل أن يشعر بأنه مميز، بأن’histoire له.
الانطباعات والتحليل
القوة:
- فكرة الهوية والتشتّت: الرواية تستحوذ على القارئ لأنها تلمس شعورًا عامًّا: أن لا يشعر الإنسان أن وجوده مُعترف به، أو أن سيرته تُسرد كما يريد، أو أن واقعه ليس كافٍ، فيلجأ الشخص إلى السرد والخيال ليملأ الفراغ.
- التداخل بين الحقيقة والخيال يسمح بأن تتساءل: ما مدى صدقيّة السرد؟ هل ما تصفه لوز هو ما حصل تمامًا، أم ما تريده أن يكون؟ هذا التداخل يزيد من تشويق الرواية ومن قدرتها على إبقاء القارئ متسائلًا.
- اللغة الجميلة والرمزية: ميّاس يوظف اللغة ليست فقط لنقل الحدث، بل لتكوين الحالة النفسية، ليُشعر القارئ وكأنه يُواكب أفكار لوز، جمال الألم والعزلة معها.
- البُعد الفلسفي: ليس مجرد قصّة عن امرأة تمر بأزمة هوية، بل تأمل في معنى الوجود، في كيف نعرف أنفسنا، وكيف نُعرف، وما هي المساحة التي تتيحها الكتابة واللغة للعزاء الذاتي أو للتعبير أو للتغير.
ضعف / التحديات:
- الإيقاع في بعض المقاطع بطيء: القارئ قد يشعر أن بعض المشاهد أو التأملات تُسترسل طولًا بحيث تُثبِّط التقدم في الحبكة. لمن ليس مُحبًّا للتأمل أو اللوغاريتمات النفسية، قد تكون هناك فترات يُفضل الانتقال منها.
- الغموض المقصود قد يُزعج البعض: الرواية لا تعطي كل الأجوبة، بل تترك كثيرًا منها مفتوحًا للتفسير. هذا مقصود، لكنه قد يجعل تجربة البعض تشعر بأنها غير مُكتملة.
- ترجمة المفاهيم والتداخلات الزمنية والذاتية: وجود العديد من الطبقات الزمنية والذاتية (الذاكرة، الخيال، السيرة المروية، السيرة المُخيلة) يجعل تتبع “أين نحن الآن؟” أمرًا صعبًا في بعض الفصول، خصوصًا إذا لم يكن القارئ معتادًا على مثل هذا النوع من الأدب.
نقاط للمقارنة والنقاش
- كيف تختلف تجربة “لوز” مع ماريا خوسيه وألڤارو؟ هل تُشعر أن هؤلاء الآخرون مجرد مرآة لها، أم أن وجودهم يُشكّل تغييرًا فعليًا في فهم ذاتها؟
- لماذا براغ تحديدًا؟ المكان ليس فعليًّا دائمًا، بل يبدو رمزًا للبعد، للغربة، للخيال، ربما لأرض الاحتواء أو للتخيّل. ما معنى أن تختار براغ كمكان ميتافيزيقي أو خيالي؟ كيف يتغير معنى المدينة بهذا الاستخدام؟ بحث أكاديمي بعنوان “Madrid Transposed: The Case of Millás’ Dos mujeres en Praga” يتناول هذا الموضوع.
- دور مفهوم “الكتابة” أو “الرواية” داخل الرواية نفسها: الرواية تتحدث عن كتابة السيرة، عن أن تُسرد الحياة (منك/من الآخرين)، وتحول السرد إلى وسيلة لاستنطاق الذات، الهروب، وربما المواجهة.
- العلاقة بين التبني أو فكرة أنّ الفرد قد لا يعرف أصله (ألڤارو أبريل لديه فكرة أنه تبنّى) وبين فكرة الهوية الذاتية والبحث عن جذور/تاريخ/اسم.
الانتهاء والنهاية
الرواية لا تنتهي بنهاية “مغلقة” بالكامل؛ هناك ترك مفتوح لتفسير: هل تحقّقت لوز من وجودها الحقيقي بشكل أفضل بعد السرد والخيال؟ هل الكتابة التي قامت بها هي شكل من أشكال الخلاص؟ أو هل الواقع سيبقى يطاردها حتى النهاية؟ هذا النوع من النهايات غير القاطعة يترك أثرًا، يجعل القارئ يعيد التفكير، ربما يعيد قراءة بعض المشاهد أو يسترجع ما بين السطور.
خلاصة
امرأتان في براغ هي رواية قوية لمن يحب الأدب النفسي، الفلسفي، المناقشات حول الهوية والوجود.
ليست للعمل “ترفيهي بسيط” فقط، بل عمل يتطلب من القارئ أن يشارك، أن يتأمل، أن يضع نفسه في موقف لوز، أن يسأل نفسه: من أنا، ما قصتي، كيف أُخبر الآخرين عني، وكيف أخبر نفسي؟
