كتاب القدّيس جينيه الكوميدي والشهيد للفيلسوف الفرنسي الكبير جان بول سارتر
1. عن الكتاب وأهميته
«القدّيس جينيه: الكوميدي والشهيد» (Saint Genet, comédien et martyr) يُعدّ من أهم النصوص الفلسفية والنقدية التي قدّمها جان بول سارتر في منتصف القرن العشرين.
هذا العمل الضخم، الذي نُشر أول مرة عام 1952، ليس مجرد دراسة أدبية عن الكاتب الفرنسي جان جينيه، بل هو بحث فلسفي عميق في الحرية، الهوية، الأخلاق، والمجتمع.
سارتر يستخدم سيرة جينيه — اللص، المشرد، الشاعر، وكاتب المسرحيات — بوصفها مادة لفهم كيف يمكن للإنسان أن يصنع ذاته من قاع السقوط الاجتماعي ليصبح رمزًا ثقافيًا وفنيًا.
الترجمة العربية لكامل العامري تمثل إضافة ثمينة للمكتبة العربية، حيث يواجه القارئ العربي لأول مرة هذا النص بترجمة كاملة ودقيقة، مع الحفاظ على نبرة سارتر الفلسفية وتعقيداته الأسلوبية.
2. سياق الكتاب وفكر سارتر
ينتمي الكتاب إلى مرحلة نضج فكر سارتر الوجودي، حيث بدأ في دمج تحليلاته الفينومينولوجية حول الحرية والمسؤولية الفردية مع رؤيته الأخلاقية والسياسية.
يقدّم سارتر جينيه باعتباره «قدّيسًا» لأنّه حوّل النبذ الاجتماعي إلى مشروع جمالي وفلسفي؛ و«كوميديًا» لأنه أدرك عبثية العالم ولعب أدوارًا متناقضة؛ و«شهيدًا» لأنه دفع ثمن خياره في مواجهة المجتمع.
كما يمكن قراءة الكتاب في ضوء فلسفة سارتر عن «الالتزام» (engagement)، فهو يرى أن الكتابة والفن ليسا مجرد تعبير ذاتي، بل موقف أخلاقي وسياسي.
3. هيكل الكتاب وأسلوبه
- الجزء الأول: تحليل لسيرة جان جينيه منذ طفولته كابن غير شرعي، مروره بدور الأيتام والسجون، وصولاً إلى تحوّله إلى كاتب مشهور.
- الجزء الثاني: دراسة لأعمال جينيه المسرحية والروائية مثل الخادمتان وشرفة.
- الجزء الثالث: تأمل فلسفي في مفاهيم الجريمة، القداسة، والحرية.
أسلوب سارتر كثيف ومعقد، يمزج بين السرد الفلسفي والنقد الأدبي والتحليل النفسي. ترجمة العامري حاولت تبسيط هذا التعقيد دون الإخلال بروح النص.
4. أفكار محورية
- الحرية كخيار جذري: جينيه لم يكن ضحية مجتمعه فقط، بل أعاد صياغة حياته كفعل تمرّد حر.
- الهوية والنبذ: كيف يتحول «المطرود» إلى مبدع يصوغ جماليات الهامش.
- الأدب كخلاص: الكتابة عند جينيه، كما يراها سارتر، هي محاولة لتحويل العار إلى قوة جمالية.
- الأخلاق الوجودية: سارتر يتحدى المفاهيم التقليدية للخير والشر، ويرى أن القيم تُخلق عبر الأفعال الحرة.
5. أهمية الكتاب اليوم
لا يزال النص مهمًا في زمننا لفهم علاقة الفن بالسياسة والهامش الاجتماعي.
يقدم رؤية لما يعنيه أن تتحول المعاناة إلى فنّ، ويكشف قدرة الأدب على فضح المعايير الأخلاقية السائدة.
بالنسبة للقارئ العربي، يفتح الكتاب نافذة على تيارات الفكر الفرنسي المعاصر ويتيح فهمًا أعمق لسارتر كناقد أدبي وفيلسوف.
6. خاتمة
«القدّيس جينيه: الكوميدي والشهيد» ليس قراءة سهلة، لكنه نص غني لمن يرغب في التعمق في الفلسفة الوجودية والنقد الأدبي.
إنه كتاب عن الحرية والتمرّد والجمال في أقسى أشكاله، وترجمة كامل العامري تقدّمه بلغة سلسة ودقيقة.
صدوره عن دار سطور في بغداد يثري المشهد الثقافي العربي ويعيد فتح النقاش حول أفكار سارتر وجان جينيه وتأثيرهما المستمر.






