
عمّان – رويا السعودية
فقد الوسط الثقافي العربي اليوم أحد أبرز رموزه برحيل الناقد والأديب والمترجم الأردني الكبير الدكتور محمد شاهين، أستاذ الأدب الإنجليزي في الجامعة الأردنية، عن عمر ناهز 87 عامًا، تاركًا خلفه إرثًا أكاديميًا وفكريًا وثقافيًا قلّ نظيره في العالم العربي.
الدكتور محمد شاهين لم يكن مجرد أستاذ جامعي، بل كان موسوعة أدبية متحركة، وواحدًا من أعلام الترجمة والنقد في المنطقة.
اشتُهر بترجماته الرصينة التي جسدت همزة الوصل بين الأدب الإنجليزي وثقافتنا العربية، وأسهمت في توسيع أفق القارئ العربي للاطلاع على روائع الأدب العالمي، لا سيما الأدب الإنجليزي الحديث والمعاصر.
مشوار علمي وفكري حافل

نال الدكتور شاهين درجاته العلمية من جامعات مرموقة، وكرّس حياته لتدريس الأدب الإنجليزي في الجامعة الأردنية التي ظلّ وفيًّا لها منذ انضمامه إلى هيئة التدريس بها، حيث كوّن أجيالًا من الباحثين والأدباء والنقاد.
وقد عُرف عنه التزامه الأكاديمي العميق، واتساع معرفته بالأدب المقارن، فضلًا عن حسه النقدي الرفيع.
كان الدكتور شاهين من أوائل من سعوا إلى إدماج مفاهيم النقد الغربي في السياق العربي، دون أن ينفصل عن الخصوصية الثقافية واللغوية للمنطقة، مما جعله شخصية مرجعية في حقول النقد والترجمة والأدب المقارن.
رائد في الترجمة الأدبية
تميّز شاهين بأسلوبه الرصين في الترجمة، متجنبًا الترجمة الحرفية، وساعيًّا إلى نقل روح النص الأصل، لا مجرد كلماته.
وقد كانت ترجماته للجمهور العربي بمثابة اكتشاف أدبي، سواء لكتابات الروائي الإيرلندي جيمس جويس، أو لأعمال الشاعر الإنجليزي توماس إليوت، وغيرهم من رموز الأدب العالمي.
كما كتب مقالات ودراسات تحليلية عميقة في شتى منابر الفكر العربي، وشارك في العديد من المؤتمرات والملتقيات الثقافية داخل الأردن وخارجه، حيث كان صوته حاضرًا في كل حوار حول مستقبل الأدب والترجمة والنقد.

خسارة فادحة للثقافة العربية
رحيل الدكتور محمد شاهين لا يُعد فقدانًا شخصيًا لزملائه وطلابه ومحبيه فحسب، بل هو خسارة وطنية وثقافية كبرى للأردن وللثقافة العربية عامة.
ففي زمن باتت فيه الأصوات الرصينة قليلة، كان شاهين يمثل صوت العقلانية، والعمق، والاتزان الأكاديمي، والانفتاح على الآخر.
لقد كان الجسر الذي عبرت عليه ثقافات العالم إلى فضائنا العربي، والعين التي قرأت الأدب الإنجليزي بلغته الأصلية ثم أعادت تقديمه لنا برؤية عميقة وخبرة طويلة، وهو الذي لطالما آمن بأن الترجمة ليست مجرد نقل، بل “خلق أدبي جديد”.
وداعًا أيها المعلّم
برحيل الدكتور محمد شاهين، يطوي المشهد الثقافي العربي صفحة مشرقة من صفحاته.
لكنه يبقى حيًا في ما تركه من كتب، وترجمات، ومقالات، وفي ذاكرة طلابه ومحبيه، الذين يدركون أن الرجل لم يكن مجرد ناقد أو مترجم، بل كان مدرسة قائمة بذاتها.
رحم الله الدكتور محمد شاهين، وألهم أهله ومحبيه وتلامذته الصبر والسلوان.
